لو بحثت في كل قواميس الدنيا؛ القديم منها والحديث؛ لن تجد إلا توصيفاً لنوع واحد من الحب، ألا وهو الحب بين الذكر والأنثى، أيّ العشق. أما حب الطبيعة وحب الحياة وحب الوطن وحب الأرض وحب العلم وغيرها، لا تجد له تعريفاً أو توصيفاً أو معنى في أيّ من الكتب والقواميس.
بالرغم من أنه لا يوجد تعريف أو توصيف للحب؛ لا قديماً ولا حالياً؛ ولكن جميع الشعراء والأدباء والفنانين الآخرين يتغنون بالحب، ويعتبرون غناءهم به هو جوهرة إبداعهم. ومنهم الكثير من تغنى بحب الوطن والأرض كأساس لبناء القصيدة الحديثة عوضاً عن الغزل الذي ساد في الجاهلية.
الحب إذن أنواع؛ وهو موجود وشائع؛ ولا مفر من الإقرار بذلك، ولكنه لا يتواجد إلا بين طرفين أو أكثر. فحب الذات فقط هو أنانية واستئثار وليس حباً. وقد يوجد حب من طرف واحد، كأن تحب وطنك حباً جماً وهو لا يحبك مثلاً!، ولكن يبقى في معادلة الحب طرفان وليس واحداً، -أي- محب ومحبوب.
لو خضنا «مغامرة حبية» وأردنا سبر غور الحب ومكنوناته؛ وتركنا «اللاتعريفات» جانباً؛ كما تركنا العشق جانباً أيضاً؛ وطرحنا السؤال ما هو الحب؟.. فكيف يمكن أن نجيب على سؤال ليس له إجابة؟.
إذا كان حب الذات أنانية؛ وحب الذكر للأنثى عشقاً؛ فحب الحياة أو الأرض أو الوطن أو الحرية أو غير ذلك، يتطلب حب الآخر بكل ما تعنيه الكلمة. فلا توجد حياة أو حرية أو وطن أو مبادئ أو ما شاكل، دون الاعتراف بوجود الآخر المختلف معي، والمرهونة حريتي وحياتي ووطني به، ولا يمكنني تحقيق ذاتي دون أنانية إلا به. وهذا يتطلب مني الاعتراف بالمختلف معي مذهبياً وطائفياً وعرقياً وإثنياً واجتماعياً وسياسياً، فأنا جزء من مجتمعي ومنطقتي والبشرية كلها.
كان الدهر؛ منذ العبودية حتى الرأسمالية؛ قد زرع في الأسياد الأنانية، وزرع في العبيد الذل والاستكانة.. وأصبح «اللاحب» يقودنا نحو العنصرية والأحقاد والكراهية والغدر والطائفية والأنانية والحروب والإبادة... إلخ. ولكن انبثقت عولمة غير رأسمالية تقودها الصين، وهي تريد نهضة شاملة لجميع الشعوب دون المساس بأمن أو مصالح تلك الشعوب. ولكن مثل هذا الهدف النبيل لا يتحقق بدون إعادة إنتاج وبناء أجيال في العالم كله يكون أساس علاقاتها هو الحب المتبادل. فهل ستنبثق تيارات فنية وأدبية وفكرية واجتماعية وسياسية ودينية تنادي بـ«عولمة الحب»؟.
** **
- د. عادل العلي