قُبيلَ أصيل العمر ألوى ركابَهُ
ولوّحَ.. يبكي صبحَهُ وشبابَهُ
بكى قبل أن ينأى الشبابُ! فكيف إن
نأى واعتراه العجز ثم أذابَهُ؟!
وليس بمعذولٍ إذا ودّع امرؤٌ
بأدمعه ما ليس يرجو إيابَهُ
تَقضّى نهارُ العمر إلا أقلَّهُ
ويوشك ليلُ العمر يغشى جَنابَهُ
على أن هذا الليلَ ضاحٍ ضياؤه
كم استوحشَ الإنسانُ منه وهابَهُ!
تلفّتَ نحو الشرق وهو مُغرِّبٌ
ينادي ضحى تَرحاله لو أجابَهُ
تصرّم ذاك العهد لم تبقَ سؤرةٌ
سوى ذكرياتٍ منه آدتْ جرابَهُ
وحيدًا تناجيه الخواطر سلوةً
بماضيه مما سَرَّهُ وأصابَهُ
حلا عنده ما مَرَّ من ذكرياتِهِ
بعهد الصبا حتى استطابَ مُصابَهُ
وحسبك شوقًا للصبا وزمانِهِ
أن اسْتعذبَ المشتاقُ فيه عذابَهُ!
فكم ذاق شهد العيش حينًا، وربما
تجرّعَ أحيانًا من العيش صابَهُ
إذا سُرَّ يومًا أعقبَتْهُ رزيّةٌ
تُنَسّيهِ من أيامه ما استطابَهُ
دواليك.. يصفو ثم يكدرُ عيشُهُ
وأطوارُ عيش الناس طرًّا تَشابَهُ
على الأربعينَ اليومَ حطَّ رحالَهُ
وما زال يزجي نحو شأوٍ ركابَهُ
تناهتْ قُواهُ واستوتْ عَزَماتُهُ
وعما قريبٍ يطرق العجز بابَهُ
تَعلّمَ من دنياه أنْ ليس خالدًا
بها كلُّ ما استوفى من الدهر قابَهُ
إذا زاد عمرُ المرء زادت رغابُهُ
ويَنفَدُ منه العمرُ إلا رغابَهُ
فمذ أدركتْ عيناه أبصر في المدى
سرابًا.. وما ينفكّ يقفو سرابَهُ
يُغِذّ الخُطا في مَهْمَه الدهر ساعيًا
وقد شابَهُ من نقعه ما أشابَهُ
طوى وهْو لا يدري مراحلَ جمّةً
وكابد أطوادَ المدى وشِعابَهُ
يسير ولم يشعر بأينٍ.. ولم يُفِقْ
من الوهم إلا حين أبلى ثيابَهُ
نضا عنه أثوابَ الصبا طولُ سعيِهِ
وخَدّدَ عصفُ السافياتِ إهابَهُ
يُطوّف في الدنيا ذهابًا وجيئةً
إلى أن يشاء الله عنها ذهابَهُ
** **
- فهد بن علي العبودي