حمّاد السالمي
* الطائف المأمون، والطائف المأنوس.. هكذا كان يسميها من سبقنا من مؤرخين ورحالة زاروها، وأدباء وشعراء نزلوها. الطائف المأمون؛ من الأمن واليُمْن، والطائف المأنوس؛ من الأنس عكس التوحش. (الميورقي وابن فهد). كان ذلك منذ سنين مديدة، وعقود عديدة. والطائف بستان مكة المكرمة وبوابتها الشرقية منذ آلاف السنين.. كيف لا وهي التي اقترن اسمها بمكة المكرمة في القرآن الكريم. قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.. مكة والطائف.. الطائف.. ذات ماء مسيل، وهواء عليل، وثمر جزيل، فهي كانت وما زالت بستان مكة اليانع بكل الخيرات على مدار العام. لكن.. هل جرى تطوير لبوابتها التاريخية من الطائف..؟
* رحت أسائل نفسي قبل أيام قلائل؛ وأنا أتجول في أنحاء سوق عكاظ التاريخي بطرف الطائف الشمالي الشرقي الأقرب للسيل الكبير ثم الزيمة ومكة المكرمة. كنت أشاهد ألوانًا من الفعاليات والأنشطة الثقافية والتاريخية والفنية والتجارية غير المسبوقة، وفي ذهني صور مما كان يجري على هذه الأرض من سوق عكاظ بالطائف منذ القرن السادس الهجري وحتى سنة 129هـ. تلك السنة المشؤومة التي سقطت فيها دولة بني أمية، وجاءت فرقة القرامطة المتشددة والمتطرفة؛ لتعبث بسوق العرب الكبير، وتقتل الناس، وتتجه مع درب الحجيج إلى الحرم المكي، فتقتل وتفتك، وتقتلع الحجر الأسود، فتذهب به إلى ديارها. بعدها توقف سوق العرب الذي مكث في العهد الجاهلي قرابة السبعين عامًا، بينما ظل في عهده الإسلامي 129 عامًا، وكانت نهايته على أيدي جماعة متطرفة إرهابية، لم تراع رسالته التاريخية والأدبية، ولا راعت وقوف رسول الأمة محمد صلى الله عليه وسلم بأرضه عدة مرات قبل البعثة وبعد البعثة. الحمد الله أن دولتنا السعودية المظفرة؛ أعادت للعرب مجدها التليد في منبرها الوحيد أوانذاك في عكاظ الطائف. هذا إنجاز كبير تحقق في عهد خادم الحرمين الشريفين (الملك عبد الله بن عبد العزيز) رحمه الله، ثم تعزز وتطور برعاية خادم الحرمين الشريفين (الملك سلمان بن عبد العزيز) نصره الله. وهو حلم عظيم طالما راود رواد الأدب والشعر والثقافة في بلادنا وفي عموم الوطن العربي منذ عقود، يوم كانت قصائدهم في منابرهم ومنتدياتهم؛ تنادي بإعادة وبعث سوق عكاظ. ما كان بالأمس حلمًا؛ ها هو اليوم حقيقة ماثلة للعيان في الطائف المأنوس.
* كان سوق عكاظ في زمنيه الجاهلي والإسلامي؛ محطة رئيسية مهمة لحجاج بيت الله الحرام القادمين من جنوب الجزيرة العربية ومن شرقها ومن العراق والشام وفارس. كانوا يلتقون فيه في الفترة من اليوم الأول لشهر ذي القعدة حتى العشرين منه، فيتعاكظوا شعرًا وأدبًا، ويتفاخروا كرمًا وخلقًا، ويتحاكموا فيتصالحوا ويُصالِحوا، ويبيعوا ويشتروا، ثم يلبوا للحج من عكاظ الطائف.
* تاريخ سوق عكاظ يشهد للطائف جارة مكة وبستانها وبوابتها الشرقية؛ أنها كانت منذ الجاهلية بوابة للحجاج والمعتمرين، فهي أقرب إليها من مطار الملك عبد العزيز بجدة بكثير، وهي مؤهلة جغرافيًا وخدميًا واجتماعيًا للنهوض بهذا الدور المشرف منذ جاهليتها حتى اليوم. وحتى اليوم.. فإن هذا الدور لم يُفعّل بما يكفي لخدمة المعتمرين والحجاج، الذين يستقبلهم مطار جدة بأعداد كبيرة، تضغط على طاقته وطاقة المواصلات والخدمات بينه وبين مكة المكرمة. بقيت الطائف بوابة فقط لمعتمري وحجاج البر، بينما في وسعها استقبال حجاج الجو من الخليج ومن دول جنوب شرقي آسيا.
* هذا الهاجس الحلم؛ كان وما زال حديث المجالس، بل ويفرض نفسه في كثير من اللقاءات والاجتماعات الرسمية سواء ما يعقد منها بالطائف أو خارجها، وكثير من المعنيين بالأمر من المسؤولين والمثقفين؛ يتطلعون إلى تحقيق هذا الحلم التاريخي الجميل، الذي سوف يخدم الطائف ومكة وجدة من خلال مطار الطائف، الذي يتوفر اليوم على ما يؤهله للقيام بهذا الدور إلى أن يتم إنشاء مطار الطائف الجديد.
* أجدها مناسبة جيدة مع نهاية موسم حج هذا العام؛ ومع بداية اجتماعات اللجان والمجالس الرسمية المعنية بخدمة الحجيج على مختلف المستويات في منطقة مكة المكرمة ووزارة الداخلية وغيرها من الجهات؛ أن تبحث هذا الأمر، وأن تعمل على إعادة الدور الريادي للطائف في استقبال حجاج بيت الله ومعتمريه القادمين من الجنوب والشرق برًا وجوًا. هذه كانت وظيفتها ورسالتها منذ القدم، وهو دورها الذي نهضت به منذ ما قبل الإسلام وظلت وفية له. إن سوق عكاظ في عصريه الجاهلي والإسلامي؛ كان مرتبطًا بوظيفة الحج الدينية، أما وقد أعيد لسوق عكاظ الطائفي وهجه ودوره الريادي في الشعر والأدب والتجارة، فنحن ننتظر أن يُعاد للطائف وظيفتها الدينية للحج والعمرة من مطارها الحالي إلى أن ينشأ المطار الجديد.