د. أحمد الفراج
نواصل رحلتنا مع رؤساء أمريكا؛ فقد كتبت عن أفضل عشرة رؤساء، حسب آراء المؤرخين والاستطلاعات الشعبية، ثم كتبت عن اثنين، يصنفان عاليًا، حسب الاستطلاعات الشعبية فقط، دون المعيار الأهم، أي رأي المؤرخين. ودعونا اليوم نبدأ بالحديث عن أسوأ عشرة رؤساء، وسنبدأ بالأسوأ على الإطلاق، حسب معظم المؤرخين، الرئيس أندرو جانسون (1865 - 1869م). فمن سوء حظ هذا الرئيس أنه جاء بعد واحد من أعظم رؤساء أمريكا، أو إن شئت الدقة أعظم رؤسائها، أي الرئيس أبراهام لينكولن. والويل لمن يخلف زعيمًا بحجم لينكولن، المحامي والخطيب والمحارب الشرس، الذي حرّر السود من الرق بعد حرب أهلية دموية طويلة. ولم يكن سوء أندرو جانسون بسبب أنه خلف لينكولن فقط؛ فهو سيئ من أصله، حسب اتفاق معظم المؤرخين والباحثين.
الرئيس أندرو جانسون لم يفز بانتخابات الرئاسة، بل اختاره الرئيس أبراهام لينكولن ليكون نائبًا له، ليس لأنه مؤهل، بل لأسباب سياسية انتخابية بحتة، لأن الأول كان جنوبيا عنصريًّا، فاختاره لينكولن ليوازن به المجتمع الأمريكي الذي كان منقسمًا بين مؤيد لتحرير السود ومعارض لها، وكان ذلك خلال الحرب الأهلية الأمريكية التي انقسمت خلالها الولايات المتحدة، وأعاد لينكولن توحيدها بالقوة بعد أن حقق مراده بإلغاء الرق، وتحرير السود من العبودية. وما إن اغتيل الرئيس لينكولن حتى أصبح جانسون رئيسًا، كما ينص الدستور. ومع أنه كان سياسيًّا محترفًا؛ إذ سبق أن انتُخب لعضوية مجلس النواب الفيدرالي عن ولاية تينيسي، ثم حاكمًا للولاية ذاتها، ثم حاكمًا عسكريًّا لها أثناء الحرب الأهلية إلا أنه فشل فشلاً ذريعًا في أن يملأ مكان سلفه الرئيس لينكولن، وكانت سياساته كارثية، ودخل في صراعات كبيرة مع المشرعين في الكونجرس، كادت تودي به خارج البيت الأبيض.
حاول المشرعون من ولايات الجنوب العنصرية في الكونجرس الأمريكي إلغاء كل الحقوق التي مُنحت للسود بعد تحريرهم من الرق. وقد رفض المشرعون من ولايات الشمال الصناعي ذلك. وهنا وقف الرئيس جانسون - كما هو متوقع - في صف المشرعين الجنوبيين، وقامت معركة سياسية كبرى، وكان من نتيجة ذلك أن صوّت مجلس النواب على عزله، ثم تبعه مجلس الشيوخ، الذي صوّت على عزله، وفشل في ذلك بفارق صوت واحد فقط، وتجاوز جانسون العزل، لكنه بقي كسيحًا كالبطة العرجاء، كما تقول أدبيات الإعلام الأمريكي، واستطاع بالكاد أن يكمل فترة رئاسية واحدة. علمًا بأنه لم يصل للرئاسة عن طريق الانتخاب، بل عن طريق الحظ. والخلاصة هي أن أندرو جانسون كان النسخة المضادة لسلفه الرئيس لينكولن، وفاز بتصنيف أسوأ رئيس عبر التاريخ الأمريكي عن جدارة واستحقاق، بل كاد يعزل من الرئاسة لولا أنه نجا بفارق صوت واحد فقط!