عبدالله بن عبدالرحمن الدويش
لقد ضمن الإسلام الاستقرار النفسي للمرأة لتحيا حياةً كريمةً بعيدةً عن كل ما يجلب لها الحزن والكآبة، وذلك على النحو الآتي..
أولاً:
أوجب على والدها النفقة والسكنى والكسوة والعلاج من صغرها حتى زواجها معززةً مكرمةً، وبعد والدها شقيقها وابن شقيقها وعمها وابن عمها لكونهم يرثونها بعد موتها إذا كانت ذات مال ووالدتها إذا كانت ذات غنى لكونها ترثها، فكل من يرثها يجب عليه نفقتها والسكنى والكسوة والعلاج إذا احتاجت وكانت فقيرة. وفي البلاد الغربية تخرج البنت من المنزل قسراً ببلوغها الثامنة عشرة تطيقاً لما يجري لدى الحيوانات بتركها صغيرها إذا استطاع القدرة على الحياة وطلب الأكل والشرب، وتتحول الطفولة إلى عداوة بين الأم وصغيرها الذي كانت تحميه وتدافع عنه وترضعه وتجلب له الأكل لتمرينه، وبعد قدرته تطرده وتتحول القرابة إلى عداوة، ولذلك لبقاء النسل الحيواني وكذا الطيور. وبعد طرد الفتاة لدى الأوربيين ببلوغها السن المعتبر لديهم تجري تبحث عن مقرٍ لها تمكث، وغالبهن يبتن في الحدائق وبعضهن تبحث عن عشيق يحميها من الفقر والتشرد وتبيت لديه، وتارة يعملن في المطاعم والفنادق وموظفات في الطائرات والبواخر وكافة الأعمال لتحيا حياة تعيش بها حتى يصل الحال لبعضهن العمل والتكرار والمعاودة في بيوت الدعارة والبغاء للحصول على دراهم تقضي به حياتها.. نسأل الله العافية. والأم الكبيرة عندهم لا تجد من يبرها من أبنائها في كبرها ومرضها وتبقى وحيدة في المنزل مع كلبها وتدخل الملجأ للقيام عليها، وبعضهن لا ترى أولادها إلا يوماً في السنة يسمى بعيد الأم يحضر الأولاد لأمهم فيه ومعهم بعض الورد يهدى لها.
ثانياً:
وجوب العدل في العطية بين الأولاد ذكوراً وإناثاً بالسويّة على الوالدين وعدم تفضيل أحدهم على الآخر حتى في الكلام والاستقبال دفعاً عن زرع الحقد والكراهية في النفوس والانزواء والانطواء ونشوء الأمراض النفسية في نفوسهم، فقال عليه السلام للوالدين!! (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)!! وهو الأمر بالعدل في العطية بين الأولاد ذكوراً وإناثاً، ولا يجوز تفضيل الذكور على الإناث، ومن يفعل ذلك فقد ظلم لنفسه يقول تعالى: {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}، ومن يقس العطية على الميراث مخطئ جدًا، فالميراث له أحكام تخصه ولا يسمى عطية وبينهما اختلاف، فالذكر يفضل على الأنثى في الميراث بعد وفاة أحد أبويه (لما يترتب عليه من أحكام تجاه الباقي من والديه وتجاه إخواته الشقيقات أو لأب من النفقة والسكنى والكسوة ودفع الدية عنهن في الجناية إذا لم يستطعن الدفع لكونه عصبة يرثهن بعد موتهن إذا وجد لهن ميراث من مال أو عقار أو جواهر ذهبية والعطية من الوالدين أو أحدهما والغالب أنها من الأب في الحياة وليس على الأخ ما يلزمه من واجبات لهن فساواهن في العطية، ولذا قال الرسول عليه السلام (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، والأولاد هما الذكر والأنثى في لغة العرب والعدل في كافة إجراءات الحياة سواء كان في القول من حسن الخطاب لهم جميعاً أو فعلاً من الابتسامة لهم والحديث معهم جميعاً دون غيرهم سواء في العطية من النفقة وغيرها.
ثالثاً:
عدم كراهيّة البنات ومن قام بهن كن وجاء له من النار والرسول ذريته من البنات، ويقول عليه السلام (من ابتلي بهؤلاء البنات كن وجاء له من النار).
رابعاً:
تخيير الأنثى بالزوج إذا خطبها وليس لأحدٍ إكراهها عليه ولا تزوج شيخاً كبيراً إلا برضاها، وقيل في بعض الأقوال ليس لأحد إكراهها على الزواج إلا للأب فقط لمعرفة مصلحة ابنته إذا امتنعت عن الزواج دون سبب وخشي فوات الزواج عنها وكان الخاطب رجلاً مسلماً كريماً حسن الأخلاق ليس به ما يعيبه، رغبةً بإسعادها في حياتها ورزقها بأولاد يقومون ببرها وحفظها من كل سوء وانتفاء من يسعدها بعد وفاة والدها الذي هو أرحم الناس بها، وقد تتعرض للأذى بعد فقد والدها إذا لم تتزوج وليس لها من يقوم بها إذا كانت كبيرة السن من إيصالها ونقلها وعلاجها والتفريج عنها إلا زوجها وأولادها. ولها أن تطلب فسخ العقد إذا أكرهت ولحق بها أضرار ٌمن العقد لعدم إقامة الزواج وبقائها مدة من الزمن ولم يطالب أحد من أقاربها برفع الضرر عنها، وللمحكمة الاستجابة لها تقديراً لحالتها النفسية.
خامساً:
فرض المهر على الزوج، وهو مقدار من المال تقوّم به نفسها للزواج من ثيابٍ وذهبٍ وعطورات، ولا يجوز لأحدٍ أخذه منها حتى الأب أو الأخ يقول تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}، ولا يجوز للزوج استرداده بأي حال من الأحوال، يقول تعالى للأزواج: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ استبدالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شيئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مبيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}، والقنطار الجبل من الذهب.
سادساً:
وجوب السكنى والنفقة والكسوة على الزوج على حسب حالها من الغنى والفقر، فبنت الأغنياء على حسب مثلها معززةً مكرمةً ولها خادمة تقوم بها وإذا ذهبت الزوجة معه لبلد لا تعرف به أحدًا وجب عليه إحضار مؤنسة تُؤنسها وتذهب عنها السآمة والأذى ولو بأجرةٍ دفعاً عن الضيق والملل عنها. وعدم إسكانها مع ضرتها في سكن مشترك ولابد من سكن مستقل كما ذكر الفقهاء دفعاً عن الخلافات، ولها المطالبة لدى القضاء بسكن مستقل لضمان الاستقرار النفسي.
سابعاً:
عدم الجمع في الزواج بين المرأة وابنتها أو إمها أو خالتها أو عمتها أو ابنة أخيها أو أختها سواءً من النسب أو من الرضاعة يقول تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأخواتكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأمهاتكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأخواتكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأمهات نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أبنائكُمُ الَّذِينَ مِنْ أصلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} ..الآية. وذلك لتبقى العلاقة الأسرية قويّةً بينهن ودفعاً عن الخلافات النفسية بينهن حال جمعهن في الزواج.
ثامناً:
استحقاقها الميراث من تركة والديها الأم والأب والجد والجدة والإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب أو لأم وعمها وابن عمها وعمتها أو ابنها أو ابنتها سواءً كان الميراث مالاً أو ذهباً أو فضةً أو سيارات أو سفنًا أو عقارًا من عمائرٍ وفللٍ أو مزارع ومصانع استحقاقاً خاصاً بها تتصرف به حيث شاءت؟ وتارة ترث أكثر من الرجل كميراث البنت مع جدها من تركة والدها فلها النصف والجد له السدس مع وجود زوجة وأمٍ للميّت والأم لها السدس والزوجة لها الثمن فأخذت البنت أكثر من الجد بأضعاف كثيرةٍ جداً، وهذا في القرآن في سورة النساء بقوله تعالى: {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ}، وألأبوان الأم والأب، وترث البنت أكثر من أبيها زوج أمها من تركة أمها المتوفاة، فلها النصف وللزوج الربع والدها ولها الباقي ردَّاً عليها أو كان المستحق لها وصية لها من شخص ميّت سواء كان من قريبٍ أو من بعيدٍ، ولها حق الشفعة إذا بلغت سن البلوغ ثمانية عشر وعلمت بيع عقار والديها أو أحدهما في صغرها ولم توافق عليه فلها إعلان الشفعة على المشتري ويؤخر القصاص لقاتل مورثها سواء كان والداها أوأحدهما أو أحد أخوتها وغيرهم من ورثتها حتى تبلغ سن البلوغ وتُسأل أمام القضاء عن مطالبتها بالقصاص من عدمه، ولو تنازلت عنه سقط القصاص عن الجاني لأنه لا يتبعض للمطالبين به عن مسقطيه، وكثيراً ما أُجّل تنفيذ القصاص لبلوغ إناثٍ لكونهن مستحقات له وسقط التنفيذ عن بعض الجُنات لتنازل المستحق له من الإناث بعد بلوغهن سن الثامنة عشر، وهذا تقديرٌ لرأي المرأة في الإسلام. فليعرف الغرب مكانة المرأة في الإسلام.
تاسعاً:
جواز التصرفات لها في البيع والشراء والعطية والوقف والوصية وإنشاء الشركات بأنواعها والاستيراد والتصدير بنفسها أو بغيرها من أولادها أو وكلائها عنها إذا كانت ثريّة وترغب استثمار مالها، وكذا المساهمة في الأسهم وفتح الحسابات في البنوك ولكن يحرم عليها المتاجرة بالربا وكافة التصرفات المحرّمة، ولها التصرف في كافة المعاملات تصرفاً صحيحاً من البيع والشراء وحق الخيار بأنواعه كما ذكر في أبواب الفقه، ولها الوكالة للغير في كافة تصرفاتها سواء فيما تقدر عليه أو فيما لا تقدر عليه لمرضٍ وكذا الحوالة وهو تحويلها لمن يطالبها بمبالغ ماليّة على من تستحق لديه مبالغ مالية، وكذا الوقف سواء في الأوقاف العامة على أشخاص عدة أو خاصٍ، وعُرف عدة من النساء بإجرائهن الأوقاف ومن أشهرهن المرأة التونسية «عزيزة عثمانه» ابنة حاكم تونس قديمًا أثناء الخلافة العثمانية وقفت غالب أملاكها الزراعية على أوجه الخير وبعد أدائها الحج ورجوعها لتونس أعتقت جميع مماليكها ولها شهرة في تونس حالاً ويحمل أحد مستشفيات تونس اسمها، وقد عمل الأستاذ والمحقق التونسي الشيباني بلغيث تأليف كتب عدة عن أوقاف عزيزة عثمانه. وكان أستاذاً في جامعة صفاقس في جمهورية تونس ولا يزال استمراره في التأليف سواءً عن تاريخ تونس من بدايته في الحضارة الإسلامية وتاريخها في الاستعمار الفرنسي وغيره، وقد بلغت مؤلفاته حالاً أربعين مؤلفاً، له الشكر والتقدير على جهوده. ومنهن المرأة جليلة بنت يوسف الحنفي من النساء الكريمات لها جهود طيبة في فعل الخير وكان لها أوقاف يقيم به المتجهون لمكة في الطريق يسكنه القاصدون لبيت الله الحرام ويقضون وقتهم من التعب والمشقة بعد عناء الطريق. وقيل أن بعضاً من أوقافها كان في اليمامة بنجد قديماً وسميت باسمها موضعًا يسمى قديماً خان شليلة، أصله خان جليلة بنت يوسف الحنفي، والخان يطلق على الوقف قديمًا ويسمى حالاً حي المنصورة شرق جنوب منفوحة وجنوب حي البطحاء. وقد حُرِّف الاسم على مر التاريخ. ومنهن المرأة العباسية زبيدة بنت هارون الرشيد لها جهود طيبة في أعمال الخير أنشأت عيناً سميت باسمها بمكة لمرتادي مكة وأجريت إلى محبس الجن ووضعت -رحمها الله- على طريق الحاج من العراق إلى الحرمين علامات ظاهرة وبارزة لمرتاديها وأنوار تُشعل في الليل في الطريق درءًا عن الضياع. وغالب زوجات الخلفاء وبناتهم لهن أوقاف خيرية لنشر العلم موقوفة على المعلمين ولمؤلفين وطلاب العلم وانتشرت المؤلفات أعداداً هائلة بذلك. وللمرأة إقامة الدعوى في المحاكم والمطالبة بالحقوق أو دفع الأذى وإحضار البينات وأداء اليمين والاعتراض على الأحكام التي تقيمها وتقديم اللائحة الاعتراضية والرفع للجهات المختصة بأنواعها لما تستحقه.
عاشراً:
استحقاقها نصف المهر بالطلاق قبل الدخول على الزوج، وبعد الدخول ولو بساعة ويثبت لها كامل المهر المسمى في العقد أو مهر مثيلاتها من أخواتها وبنات عمها إذا لم يقدر لها تقدره المحكمة الشرعية تقديرًا لحالتها النفسية لتجهزها للزواج وتأديبًا للزوج على ما بدر منه لأن النساء لا ترضى بالطلاق ويلقي بهن للهوان والتشتت يقول تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلا أن يَعْفُونَ} (237) سورة البقرة. أي استحقاقها نصف المهر. ووردت الأدلة الشرعية استحقاقها كامل المهر بالدخول ولو بعد ساعة من إقامة الحفل والدخول بها دخول الزوج عليها تقديرًا لها نفسيًا ويسمى «الضمان المادي عن الأضرار النفسية».
وتأمل -وفقك الله- نساء الطبقات العالية في تلك المجتمعات ستجد أن المرأة لديهم يسقط نسبها بعد زواجها وتنسب لعائلة زوجها وأدل دليل زوجات كبار المسؤولين لديهم، وقد وصل الحال للنساء في بعض الدول العربية سوى الخليج العربي انتقال نسب المرأة رسميًا بعد الزواج لعائلة زوجها ويتكرر كلما تزوجت وطلقت وتزوجت مرة ثانية ينتقل نسب إسمها إلى الزوج الثاني وهكذا دواليك، وقد ورد هذا من الغرب بعد الاستعمار، وهذا عجب عجاب وخسران للمرأة في الحرية، وقد ذكر أحد الخليجيين أنه سافر وزوجته لبلاد أوربا وتنقل بالسيارة بين بعض الدول وأن أحد مكاتب الجوازات في إحدى الدول سأله عن المرأة المرافقة معه فقال له زوجتي، فقال لم يذكر اسمها مثل اسمك، قال نحن في الخليج تبقى المرأة على اسمها لأبيها ولا ينتقل لزوجها، فأجابه: هذه هي الحرية الصحيحة.
حادي عشر:
عدم جواز التضييق عليها من الأزواج للتخلص منها لطلبها الطلاق وعليهم الإثم والعقوبة، يقول تعالى للأزواج: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}، ويقول تعالى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}، ويقول أيضاً بتقدير المعروف بينهم {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}، ويقول أيضاً: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، درجة القوامة.
ثاني عشر:
استحقاقها المتعة بطلاقها وهو المال أو مقدار من الذهب تقديراً وتطييباً لخاطرها ونفسها مما وقع عليها وجلب لها الحزن والتعاسة، وقد تفقد أولادها الذين لبثت معهم سنوات لانتقالها لأهلها وذويها، يقول تعالى للأزواج بعد الطلاق: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ}، ويقول سبحانه أيضاً: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، والمعروف قدر لاستطاعة وفي أية أخرى يقول سبحانه: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}، وتسمى حديثاً مكافأة نهاية الخدمة للموظفين بعد التقاعد. ولها حضانة أولادها بعد الطلاق إلى بلوغهم سناً معيّنة يستطيعون القيام بأنفسهم في الطعام والشراب، وبعد بلوغهم السن المحددة وانتقالهم لأبيهم تستحق الأم زيارتهم لها حسب تقدير المحكمة الشرعية، وتسقط حضانة الأب لهم إذا كان عليه ما يخل بشرفه أو عقله كمدمن المسكرات والمخدرات والمجنون والمريض النفسي ممن يخشى اعتداؤه عليهم حمايةً لهم، وتستحق الأم الحضانة ولو تزوجت ونفقتهم وكسوتهم والسكن وعلاجهم على الزوج حسب تقدير المحكمة الشرعية.
ثالث عشر:
يشرع لها المحرم في السفر الذي يستلزم النزول والمبيت ويخشى فيه على المرأة الضرر والسرقة والاغتصاب لما ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال إلا مع ذي محرم). وهو تقرير الحماية لها والدفاع عنها يقول الشاعر العربي في ذلك :
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقى صولة المستنفر العادي
رابع عشر:
تقبل شهادتها وتقدم على الرجال في أحوال عدة:
الحالة الأولى: في الرضاع «إذا علمت الزوجة بأن زوجها أخوها من الرضاع ورفض تطليقها وتقدمت للمحكة بطلب الطلاق ورفض الزوج وأحضرت البينة وهي المرضعة التي أرضعتهما وهما أطفال في سن الرضاعة خمس رضاعات متفرقات وأدت الشهادة بذلك فيفرق بينهما بعد إجراءات التقاضي من عرض الشهادة على الزوج وتزكية الشاهدة بعدلين إذا أصر الزوج على الإنكار، ولو أحضر الزوج شهودًا عدة على إنكاره فلا يقبل منه لفعل الرسول عليه السلام في التفريق بين زوجين بشهادة المرضعة، ولما جادله الزوج قال له كيف وقد قيل، ولأن القاعدة الشرعية تنص على تقديم شهادة المثبت على النافي فشهادة الزوجة مثبتة وشهادة الزوج نافية.
الحالة الثانية: شهادة القابلة المولّدة إذا طالبت امرأة بورث ابنها الذي ولد حياً ثم توفي بعد ساعات من ولادته من إخوته الأشقاء أو لأب من ميراث والده وأنكر الإخوة أنه ولد حياً وادعوا موته في بطنها فيطلب منها البينة، فَلَو استشهدت بالقابلة التي ولّدتها ويتم إحضارها لدى القضاء وتسأل عن ما لديها فإذا شهدت بأنها قامت بتوليد المدعية وشاهدة المولود يخرج من بطن أمه حياً ثم مات بعده بساعات فتقبل شهادتها بعد عرض الشهادة على المدعى عليهم وسماع ما لديهم تجاهها وتعديل الشاهدة بعدلين على استقامتها بعد إصرار المدعى عليهم على النفي ويحكم على الإخوة تسليم الأم نصيب ابنها الذي ولد ثم توفي، وقد يكون النصيب ملايين الدولارات لكون أب المولود غنياً جداً صاحب عقارات واستثمارات.
الحالة الثالثة: الخلاف بين الزوجين في إدعاء الزوج أنها ثيب وادعت البكارة وعُرضت القضية أمام القضاء فتحال الزوجة للطب وتكشف عليها امرأة متخصصة وتدلي بشهادتها أمام القضاء ويحكم في القضية بما يظهر له إيجاباً أو سلباً بعد إجراءات التقاضي.
الحالة الرابعة: ما يحصل أمام النساء من خصومةٍ بين امرأتين أو أكثر في حفلٍ أو اجتماع ٍأو في الطريق أو في المستشفى من خصومة وسب وضرب والإصابة بجروح، وتصل القضية القضاء فيستشهد بالنساء الحاضرات ممن شاهدن الواقعة ويحكم بما يظهر من شهادتهن بعد إجراءات التقاضي، وقد أحيلت لنا قضية أثناء عملنا في المحكمة الجزائية تخص دعوى أخصيائية في إحدى الجامعات تجاه طالبة لاعتدائه عليها بالضرب حال عملها واستشهدت بشاهدتين شاهدن الطالبة تعتدي بالضرب على المدعية وشد شعرها أمام الطالبات بعد انتهاء العام الدراسي، وبعد الإجراءات القضائية جرى الحكم على المدعى عليها بسجن وجلد بحضور المدعية.
الحالة الخامسة: إذا شاهدت المرأة حادثًا مروريًا بداس رجلٍ أو امرأة أو طفلٍ وأنكر قائدُ السيارة وعرضت القضية أمام القضاء فتحضر الشاهدة وتؤدي شهادتها من وقوع الحادث المروري، إما بقطع إشارة مرورية أو داس متعمد أو لعدم المعرفة بالقيادة ويحكم للمدهوس المصاب بما يستحقه من دية لقاء الجروح والإصابات التي لحقته بعد أخذ اليمين من صاحب الدعوى على صحة الدعوى تقويةً للشهادة ويؤدب الجاني على خطئه سواء كان التأديب سجناً أو جلداً أو غرامةً على حسب نتائج الحادث.
الحالة السادسة: إذا تبايع امرأتان سلعةً ولم تُسلم المشتريةُ الثمن وحضرتهن امرأة ووصلت القضية للقضاء فتحضر الشاهدة وتسمع شهادتها ويطلب من المدعية اليمين على صحةِ دعواها تقويةً للشهادة ويحكم في القضية. وهذه معلومات مجهولة لدى الناس وخصوصاً النساء. وقد نشرت دعاوى وتضليلات أن المرأة ليس لها حقوق في الشريعة، للجهل في الشريعة ولتضليل المرأة المسلمة عن دينها ودعوة لانحرافها عن الشريعة، وهذا ما يحصل في كثيرٍ من بلدان العالم خصوصاً الإسلامية في إفريقيا وشرق آسيا وبعض الدول العربية التي شقيت من الاستعمار وخفيت المعالم لديهم عن حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية.
خامس عشر:
ليس للون البشرة تفضيل في الإسلام بين المرأة البيضاء والسوداء فهما على السواء في كل التخصصات في طلب العلم والعمل والعبادة والمعاملة والجناية فتستحقان الأجرة سواسية على حسب الاختصاص، وقد تقدم السوداء على البيضاء لصلاحها واستقامتها وإخلاصها يقول تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، بخلاف دول أوربا فتفضل الشقراء على السوداء في دخول الجامعات ودخول الكنائس والمعابد والأجور والرواتب وتولي المناصب والإدارات والركوب في وسائل النقل أو الظهور في وسائل الإعلام.
سادس عشر:
على الأولاد بر الوالدين يقول تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أو كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}، وأحسن الكلام وأفضله للوالدين فقط وللأم صفة خاصة في البر لما تواجهه من مصاعب في الحمل والولادة والرضاع والتربية والخدمة في الحياة لصغارها من الرحمة والشفقة. سأل أحد الصحابة رسول الله قائلاً: «من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك». فذكرت الأم ثلاث مرات لقدرها ولما تتحمل من مشقة في الحمل والولادة والتربية، ولغيرهن من الأقارب وعموم الناس القول الحسن يقول تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}.
السابع عشر:
للزوجة مطالبة الزوج في حال عدم النفقة والكسوة والعلاج بأجرة بقائها معه من تربية الأولاد والطبخ والتنظيف في المنزل إذا كانت تقوم بذلك الخدمات له وللأولاد كأجيرة عنده لم تستلم أجرتها لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، تقدر الأجرة للوظائف المشار إليها من المحكمة بعد رفع الدعوى منها أو من وكيلها تجاه الزوج، وبعد السير في الدعوى تقدّر من جهات الاختصاص عن أجرة المربية والطابخة والمنظفة يومياً أو شهرياً للمدة التي أمضتها الزوجة معه حفظاً لحقوقها، يقول تعالى في ضمان أجرة المرضعة المطلقة {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}. فهل يقال بعد هذه الحقائق والجواهر العلمية من الشريعة أن الإسلام أهان المرأة المسلمة وهضم حقوقها، فماذا بعد الحق إلا الضلال وينبغي نشرها لدى النساء لمعرفة حقائق منسية لتحيا المرأة والفتاة سعادة نفسية رائعة جدًا كيف وقد قررتها الشريعة لها وعلى المسلمة المحافظة على دينها وتربية أولادها التربية الصحيحة.
رحمة العرب وشفقتهم
على بناتهم:
عرف العرب برحمتهم لأولادهم خصوصاً البنات وكان كثير منهم يترك السفر ويبقى عندهن خشية الموت بعيدًا عنهن أو حصول طارئ لا يستطيع الرجوع إليهن، وكانوا يذكرونهن في بداية أشعارهم حين إلقائها للمدح أو الاعتذار أمام الخلفاء والولاة، وكثير منهم كان يدعى باسم ابنته كأبي أمامة البأهلي وأبو رقية وأبو سلمة بعض من الصحابة رضي الله عنهم وأبو إمامة أحد مشاهير العرب، وقد ذكر ابنته في بداية شعره وإجابته لها على سؤالها له مما اعتراه من مرض بموت أبنائه في الطاعون الذي نزل بهم من قوله:
قالت أمامة مالجسمك شاحبا
منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع
أما لجسمك لا يلائم مضجعا
إلا أقض عليه ذاك المضجع
فأجبتها أما لجسمي إنه
أودا بني من البلاد فودعوا
أو دى بني فأعقبوني حسرة
بعد الرقاد ولوعة ما تقلع
وما ذكر من إساءة العرب إليهن غير صحيح وإنما هو افتراء عليهم ولم يحصل إلا من قلة قليلة جدًا لا يعتد بها بحكم الشاذ والنادر. وهذه نماذج من أشعارهم في وصف الرحمة والشفقة عليهن مما يرد كيد الكائدين المتوجهين للإساءة للعرب حسدًا وحقدًا وبلاء لتاريخ العرب المجيد في العلم والشجاعة والعز والكرم والنجدة، وكم صاحب نعمة خلقًا وأخلاقًا محسود ومبتلى من غيره باتهامات باطلة مزيفة لا قدر لها سوى السقوط والاندثار، وماذا بعد الحق إلا الضلال.
كانوا يعلمون كما قال الشاعر العربي الأصيل عن الحسد والحقد بقوله:
حسدو الفتى إذ لم ينالو سعيه
فالقوم أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها
حسدا ولؤما إنه لقبيح
ومن ذلك..
قولَ الشاعر الأعشى الحنفي النجدي:
تَقُولُ ابْنَتِي يَوْمَ جَدَّ الرَّحِيلُ
أَرَانَا سَوَاءً وَمَنْ قَدْ كَتَمْ
أَبَانَا فَلاَ رُمْتَ مَنْ عِنْدَنَا
فَإِنَّا نَخَافُ بِأَنْ تُخْتَرَمْ
أَرَانَا إذا أَضْمَرْتَكَ الْبِلاَد
نُجْفَى وَتُقْطَعُ مِنَّا الرَّحِمْ
ومنه قوله أيضا:
تقول ابنتي وقد قربت مرتحلا
يارب جنب أبي الأوصابا والوجعا
مهلا بني فإن المرء يبعثه
هم إذا خالط الحيزوم والضلعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي
يوما فإن لجنب المرء مضطجعا
كوني كمثل التي إذ غاب عنها وافدها
أهدى له من بعيد نظرة جزعا
ولا تكوني كمن لا يرتجى أوبة
لدى اغتراب ولا يرجو له رجعا
وقال الشاعر حطان بن المعلا
أنزلني الدهر على حكمه
من شامخٍ عالٍ إلى خافض
وغَالَني الدَّهْرُ بِوَفْر الْغِنى
فَلَيْسَ لِي مَالٌ سِوَى عِرْضِي
أبْكَانِيَ الدَّهْرُ وَيَا رُبَّمَا
أضْحَكَنِي الدَّهْرُ بِمَا يُرْضِي
لَوْلاَ بُنيَّاتٌ كَزُغْبِ الْقَطَا
رُدِدْنَ مِنْ بَعْضٍ إلى بَعْضِ
لَكانَ لِي مُضْطَرَبٌ وَاسِعٌ
فِي الأرض ذاتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ
وَإنما أوْلاَدُنَا بَيْنَنا
أكْبَادُنَا تَمْشِي عَلى الأرض
لَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلى بَعْضِهِمْ
لاَمْتَنَعَتْ عَيْني مِنَ الْغَمضِ
وقال الشاعر إسحاق بن خلف:
لَوْلاَ أمَيْمَةُ لَمْ أجْزَعْ مِنَ الْعَدَمِ
وَلَمْ أقَاسِ الدُّجَى فِي حِنْدِسِ الظُّلَمِ
زَادَنِي رَغْبَةً فِي الْعَيْشِ مَعْرِفَتِي
ذُلَّ اليَتِيمَةِ يَجْفُوهَا ذَوُو الرَّحِمِ
(أُحَاذِرُ الْفَقْرَ يوماً أنْ يُلِمَّ بِهَا
فَيَهْتِكَ السِّترَ عَنْ لَحْمٍ عَلَى وَضمِ)
(تَهْوَى حَيَاتِي وأهْوَى مَوْتَها شَفَقاً
وَالْمَوْتُ أكْرَمُ نَزّالٍ عَلَى الْحُرَمِ)
(أخْشَى فَظَاظَةَ عَمٍّ أو جَفَاءَ أخٍ
وكُنْتُ أُبْقِي عَلَيْهَا مِنْ أذَى الْكَلِمِ)
وقال الشاعر المرزباني لبناته ومنها»:
فإن جاء يوم أن يموت أبوكما
فلا تخمشى وجها ولا تلطما خدا
وقول الشاعر لبيد الهلالي العامري في خطابه لبناته حيث لم يرزق بأولاد:
تمنّى ابنتايَ أن يعيشَ أبوهما
وهل أنا إلا من ربيعةَ أو مُضَرْ
إذا حان يوماً أن يموتَ أبوكما
فلا تخمِشا وجهاً، ولا تحلقا شَعَرْا
وقولا هو المرءُ الذي لا حريمُهُ
أضاعَ، ولا خانَ الصديقَ ولا غدرْ
إلى الحولِ، ثمّ اسمُ السلامِ عليكما
ومن يبكِ حولاً كاملاً فقدِ اعتذرْ
وقال الشاعر سلامة بن جندل:
تقولُ ابنتي: إنَّ انطلاقكَ واحد
إلى الرَّوعِ، يوماً تاركي لا أباليا
دَعِينا مِنَ الإِشفاقِ، أو قَدّمي لَنا
منَ الحدثانِ وال منيَّة ِ راقيا
ستتلفُ نفسي، أو سأجمع هجمة ً
ترى ساقييها بالمانِ التّراقيا
ويقول مالك بن الريب التميمي النجدي في مرثية نفسه عندما حس بالموت في طريقه إلى خرسان وبعد مروره بالعراق وفي مرو قائلاً منها:
تقول ابنتي لما رأت طول رحلتي
سفارك هذا لا أبالك راجعا
وقال الشاعر أبو الفراس الحمداني التغلبي الحنفي، وبنو حنيفة من نجد كانوا في اليمامة في الجاهلية وصدر الإسلام مدينة الرياض حالياً يوصي ابنته وقبل وفاته رثى نفسه بأبيات مشهورة موجهة إلى ابنته:
أبنيّتي لا تحزني
كل الأنام إلى ذهاب
أبنيّتي صبراً جميلاً للجليل من المصاب
نوحي عليّ بحسرةٍ
من خلفِ ستركِ والحجاب
قولي إذا ناديتني
وعييتُ عن ردِّ الجوابْ
زين الشباب أبو فراسٍ
لم يمتّعْ بالشباب
وقال الشاعر عمران بن حطان الشيباني الحنفي:
لقد زاد الحياة إلى حباً
بناتي إنهن من الضعاف
أحاذر أن يرين البؤس بعدي
وأن يشربن رنقاً بعد صاف
وأن يعرين إن كسي الجواري
فتنبو العين عن كرمٍ عجاف
وبعد هذه الجولة، نقول الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات ونسأله التوفيق والسداد.
** **
- قاضي استئناف في وزارة العدل سابقا