فهد بن جليد
إذا كانت السعادة والصحة وراحة البال وحزمة أخرى هي من الأشياء الثمينة التي لا يمكن شراؤها بالمال فإن الوقت يجب أن يكون على (رأس) هذه القائمة؛ فلا يمكن أن تمده أو تطيله أو تعيده بالمال؛ فمتى مضى العمر والسنون، وانتهى الشباب والصحة، وحان الأجل المحتوم، لن يجدي المال الذي تم جمعه نفعًا، ولا حتى لـ(دقيقة واحدة) فقط. في ديننا الكثير من هذه الحقائق والمعارف، ولكننا نتجاهلها. وقد نلتفت لما يقوله ويثبته (بيل غيتس) وغيره من أثرياء العالم الذين تحدثوا عن هذه النظرية والمفاهيم التي آمنوا بها، ونجحوا بفضلها.. فقد عرض (غيتس) ذات مرة (مفكرة مواعيده) على المشاهدين في برنامج تلفزيوني؛ ليكتشف المذيعون أنه يمضي بعض الأسابيع (بموعدين أو ثلاثة فقط)، أما بقية الأيام فإنه يستمتع بالقراءة والاطلاع والتفكير والتأمل وقضاء احتياجاته الخاصة والأسرية، وهو الذي بدأت حياته بشكل خاطئ عندما كان يملأ كل دقيقة منها بموعد ولقاء واجتماع معتقدًا أن هذا هو طريق الإنجاز والنجاح، ولكنه تمكن من تصحيح المسار؛ ليتحكم هو في الوقت بدلاً من أن يكون رهينة له.
هذا ما يجب أن نفهمه (نحن المسلمين) قبل غيرنا، وخصوصًا عندما نوهم أنفسنا ونحن لا نملك مثل ثروات هؤلاء، ولا مهامهم الحياتية الجسام، أننا مشغولون طوال الوقت؛ فنؤجل الواجبات العائلية باستمرار، ونلغي زيارات صلة الأرحام، وربما لا نجد وقتًا للصلاة في وقتها، والأكل والراحة والاستجمام.. فكم من (ابن) عق وقصّر بحجة (الانشغال)؟ وكم من بيت دبت فيه المشاكل والخلافات الزوجية لعدم منح الحياة وقتها الكافي؟ وكم من (طفل) عاش كاليتيم؛ لأن (أباه) كان مشغولاً؟!
نظريات إدارة الوقت الحديثة تؤكد أن الإنسان الناجح بإمكانه الاحتفاظ بـ 75 في المائة من وقته لنفسه وعائلته، وأن النجاح لن يتطلب أكثر من 25 في المائة من وقتنا، وما عدا ذلك فهي (إدارة أزمات) نتيجة أخطاء في التخطيط أو بطء وعدم دقة في التنفيذ. ابتعِد عن الخلافات والمناكفات، وتوقَّف عن المجاملات.. اعرف ما هو المطلوب منك تحديدًا.. لا تؤجِّل إنجاز مهامك اليومية بدقة.. اعرف أين تذهب ومتى؟ إذا كنتَ مشغولاً جدًّا فإنني أنصحك بأن تبدأ فورًا بزيارة الأقرب لك (رحمًا وصلة)، ومن ثم تبدأ بإنجاز ما هو مطلوب؛ لتتأكد بنفسك وبالتجربة أنك تستطيع فعل كل شيء إذا لم تستسلم لأمواج الوقت وأوهام الانشغال التي اجتاحت مجتمعاتنا حتى بات الصغير مشغولاً قبل الكبير، والفقير لا يملك الوقت قبل الغني.. كلنا مشغولون، ولكن في ماذا؟ لا أحد يملك الإجابة!
وعلى دروب الخير نلتقي.