د. محمد عبدالله الخازم
بمناسبة الاستعداد لإقامة مؤتمر العلاج الطبيعي الدولي، ورغم اعتزالي المهنة منذ سنوات، يأخذني الحنين لسرد بعض البدايات وتوجيه رسائل، قد تنطبق على التخصصات الصحية بصفة عامة. أتيح لي الإسهام في تأسيس أول رابطة سعودية للمهنة، سميت مجموعة العلاج الطبيعي، حيث تقدمت حينها (1991 - 1992م) بمقترح لرئيسة القسم - أمريكية الجنسية- بأن نجتمع كمنتمين للمهنة لنؤسس ناديًا أو مجموعة للمهنة، رحبت بالفكرة لا سيما وهي على تواصل بالأجانب في المهنة بحكم اجتماعات سابقة بينهم.
كان السعوديون محدودة أعدادهم، بدأنا مع نخبة من الزملاء والزميلات الأجانب العاملين معنا حينها، وتباعًا التحق بنا الزملاء حتى تحولت المجموعة بعد ثماني سنوات إلى جمعية علمية. بعد مشاروات كان اجتماعنا الأول بالمستشفى العسكري تقديرًا لرئيسة القسم هناك - بحكم السن- وكان الحضور من مستشفيات التخصصي (الداعم الأول في التأسيس) وقوى الأمن والعسكري والحرس. الزملاء بجامعة الملك سعود كانوا يعيشون في أبراجهم، لم يساندوننا كمهنيين ولم يتقبلوا ملاحظاتنا تجاه ضعف المخرجات. طبعًا، نحن ضمن مخرجاتهم لكننا تعلمنا بالمراكز المتقدمة لاحقًا واكتشفنا وشخصنا ذلك الضعف. لم تختلف الأمور كثيرًا وما زالت الشكوى قائمة من ضعف المخرجات!
منحنا مجلس الدراسات العليا الطبية المشترك الاعتراف الرسمي بالمجموعة ومن هناك انطلقت أعمالها المتنوعة. لم يكن هناك هيئة تخصصات صحية. بدأ التعريف بالمهنة في الأوساط الإعلامية والمجتمعية وخططنا لأول مؤتمر عالمي للعلاج الطبيعي يقام في المملكة (1992م) بدعم التخصصي رغم الصعوبات اللوجيستية والإدارية وبعض المغامرات حينها. استقطبنا للمؤتمر وورشه قامات علمية عالمية، ربما لم تتكرر رغم تعدد مؤتمرات المهنة. وهكذا انطلقت نشاطات تعليمية ومهنية ثرية كورش العمل والندوات واللقاءات الشهرية وغيرها من النشاطات، في ظل وجود أجيال شابة بدأت تشق طريقها في المهنة وتحاول إبراز مهنتها وذاتها. عندما بدأت المجموعة كنا سعوديين في التخصصي وثالث في بعثه، ومثل ذلك وأقل في كل مستشفى، والآن يشكل السعوديون أغلب العاملين في المهنة، بالذات في المدن الكبرى، وسنراهم النخبة الأكبر يتحدثون في مؤتمرهم بعد أيام.
وماذا بعد؟ ما هي رسائلي لهم في مؤتمرهم؟
تجاوزنا البدايات والتحدي القادم هو إبراز هوية المهنة وتمييزها عن تخصصات ومهن أخرى تتداخل معها وتتسلق عليها. مطلوب جدًا، إيجاد معايير تحدد مهارات العاملين ومخرجات الكليات في ظل تزايد أعدادها. كما أنه مطلوب تعزيز الأدوار المهنية والبرامج التدريبية بكافة فروعها بالذات السريرية والمهنية، حيث هناك شكوى من ضعف مخرجات (أغلب) البرامج القائمة مما يستوجب إيجاد اختبارات رخصة مقننة للممارسة وتأسيس برامج الزمالات المهنية في تخصصات العلاج الطبيعي كبديل للبرامج الأكاديمية التي لا حاجة لها في سوق العمل. نحتاج تعليمًا مهنيًا إبداعيًا حديثًا، تدعمه مناهج متطورة تتجاوز مجرد نسخ وتكرار ما كان عليه الأولون. لا نريد مجرد تغيير لوحة المعهد الصحي إلى كلية وتغيير مسمى الأخصائي إلى دكتور علاج طبيعي، دون أثر واضح في المخرجات وطبيعة التأهيل والعمل وفلسفة الممارسة. وأخيرًا، نحتاج جمعية مهنية حقيقية في ظل تواضع الجمعيات الأكاديمية وعدم تمثيلها للمهنيين..