رمضان جريدي العنزي
يتناخون للقاتل، يستأجرون من أجله القاعات والإستراحات بأثمانٍ باهظة، يحشدون له الأصوات والشيلة والخطاب والقصيد، وينشدون له بأعذب الألحان، يبالغون حد الدهشة المطلقة، يدعون الناس من كل حدب وصوب، يسرفون في القول وفي الطرح، يلعبون على وتر الحمية والعاطفة، يجمعون له مبالغ مليونية لإخراجه من السجن، وعتق رقبته من السيف، يتبنون الدفاع عنه، ويبرئون ساحته، وفي الوقت نفسه يتجاهلون علاج مريض، ومساعدة مسكين، والوقوف بجانب أرملة، وفك قيد معسر، يصطفون مع القاتل، ويتركون صاحب الحاجة والمسكين واليتيم والمريض والمعسر والأرملة، مفارقة محزنة، وحماقة بائنة، وتناقض كبير، وازدواجية معايير ظاهرة، وفكر متقعر، هناك نفوس جبلت على اللغو والهياط، وعندها سعار عالٍ في البحث عن الصورة والمدح والسناب، وفي المقابل هناك نفوس جبلت على الأريحية والإحسان إلى الناس، والسعي في قضاء حوائجهم في سر وكتمان، من غير بهرجة ولا طبل ولا نغم، ولا عزف جماعي ولا منفرد، لا يكلون ولا يملون من تحمل الأتعاب والأوصاب، متلذذين بصنع المعروف الخالص لوجه الله، ومسرورين بآثاره الإيجابية، ومردوده النفسي والأخلاقي والاجتماعي، إن مثل تلك الذوات الطيبة، مثل الغيث يحيي الأرض بعد موتها، بينما غيرها من هواة الهياط، والنفاق التجاري، وسماسرة الدم، وبازارات المال، مثل الرمل والأتربة، والمستنقع والغبار، والتي لا ترقى أعمالهم إلى مصاف الأعمال المبررة المشكورة، إن الذين يؤثرون أنفسهم، ويقدمون الإحسان تلو الإحسان، يتفقدون المسكين واليتيم والأرملة والمعسر وصاحب الفاقة والحاجة، هم الذين نياتهم صافية، وأرواحهم خالية من كل الشوائب، وهم الذين ينطبق عليهم قول الحق تبارك وتعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا}، أن مجتمعنا غني بهذه الرموز العظيمة، الذين يؤثرون الآخرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وهم ثروة العطاء، باهرين في التألق والسمو، اللهم إنا نعوذ بك من الرياء، ومن كل عمل لا يراد به وجهك، ونسألك السداد والتوفيق والرضا إنك سميع مجيب.