د.عبدالله بن معيوف الجعيد
إن بداية العام الدراسي من الأمور المهمة عند الطلاب وأولياء الأمور؛ ففي بداية العام الدراسي يشعر الطالب بالسعادة والحيوية والنشاط؛ فيقبل على العلم بهمة عالية؛ وذلك لأهميته على مستوى الفرد والمجتمع؛ فالعلم ينمي وعي الإنسان، ويطور تفكيره، ويجعله أكثر إيجابية في إدراك حقائق الأشياء. وهذا مما يتميز به المتعلم عن غير المتعلم؛ ودليل ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر:9]. كما أن العلم يسهّل طريق طالبه إلى الجنة، ويجعل مَن في السماء والأرض يستغفرون له. والعلم أساس قيام الدول؛ فبالعلم ترتقي الشعوب وتتقدم، وبالعلم نحارب الفقر والجوع، وننتزع الفرح من عمق الألم.. بالعلم تزهر الأيام، وتتحقق الأحلام.. بالعلم نحرر عقولنا من القيود والأوهام.. بالعلم نصل إلى الهدف الأسمى والأعلى، وهو رضا الرحمن - سبحانه وتعالى -. وقد حث الإسلام على العلم بشكل كبير؛ فأول آيات نزلت على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - هدفها الحث على العلم؛ إذ يقول سبحانه وتعالي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم} [العلق:1-5]. فالقراءة مفتاح كل علم.. فكان من عظيم كرم الله - سبحانه وتعالى - على عباده تعليمهم ما لم يعلموا. وقد علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - درسًا مهمًّا في الاهتمام بالعلم من خلال التعامل مع أسرى بدر، فعرض على الأسرى مقابل إطلاق سراحهم أن يُعلِّموا عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، أو أن يدفعوا الفدية.
وبالعلم نستطيع أن نبتكر الوسائل والآلات والأجهزة والمعدات التي تمكننا من العيش برفاهية وسعادة، كما نستطيع به أن ننمي الجانب الاقتصادي للمجتمعات من خلال توفير فرص عمل في المجالات المختلفة، ومن خلال الاستغلال الصحيح للعناصر الطبيعية. والعلم جعل العالم قرية صغيرة، يتواصل فيها الأفراد من الدول والشعوب كافة مع بعضهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي؛ فتقوى العلاقات الاجتماعية، ويسهل تبادل المعلومات والمعرفة. والعلم يحمي من الأمراض التي قد تصيب المجتمعات، وذلك من خلال التوعية الصحية، والاكتشافات المستمرة التي تجعل أفراد المجتمع بصحة جيدة. والعلم يعتبر أفضل سلاح لمواجهة الأعداء. ويجب أن يكون العلم مرتبطًا بالجدية؛ فالجدية أساس التميز والنجاح في العلم؛ فالنجاح في العلم لا يكون مع التكاسل والإهمال، وإنما يكون مع الجد والصبر والمثابرة.. ويجب أن يكون مرتبطًا أيضًا بالمبادئ والأخلاق الإسلامية؛ فلا بد من غرس القيم والأخلاق الإسلامية في النشء؛ لأن العلم بلا أخلاق يؤدي إلى الغرور والتكبُّر والاستغلال غير السليم له؛ لذلك حثنا الإسلام على الالتزام بالأخلاق الشريفة، والمبادئ الكريمة، والمُثل السامية، مثل: الإحسان، الصدق، العدل، الأمانة، احترام الآخرين، التواضع، حفظ اللسان، الوفاء بالعهد، الطاعة وتقديم القدوة الحسنة.
وحتى يكون العلم متميزًا يجب أن ننهض به، ونبعده عن الجمود من خلال تطوير وسائله، ويكون ذلك بالبُعد عن العنف في التعامل مع الطلاب، واستخدام الأساليب التي تجذب قلوب الطلاب قبل عقولهم، وتوطد العلاقة بين المعلم والطالب؛ فذلك يشجع الطلاب على فهم الصعب، وتيسير العسير. ويكون تطوير العلم أيضًا بتجديد المناهج، وربطها بالحياة العملية؛ لأن هذا الربط يساعد في توثيق المعلومة في عقول الطلاب بشكل أسرع. كما يكون تطوير العلم باستخدام الشبكات العنكبوتية، وإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لتبادل العلم والمعرفة بين المعلم وطلابه، وبين الطلاب أنفسهم.