د.عبدالله بن موسى الطاير
هناك صراخ يتعالى ويلوث الهدوء من حولنا، وعويل لا يتوقف، يفسد الشعور بالسعادة بما يتحقق بعمل دؤوب وتضحيات جمة. مرحلة ضخمة تسقط، ولانحدارها دوي يصم الآذان عما سواه. المعاول التي أسقطتها ما زالت تعمل جاهدة على اقتلاع بقاياها في مناطق جغرافية محيطة عدة. وعلى قدر الألم والخسارة يكون الصراخ والعويل.
حلم جماعة الإخوان المسلمين بتأسيس سلطتها تحقق عام 2011م بعد أكثر من ثمانية عقود من الانتظار. آخر آمالهم المحبطة كانت عام 1990 - 1994م؛ إذ دفعوا بالصحويين لاستهداف السعودية. لم يكن منطق الإخوان في الحاكمية ينطبق على المملكة لأنها دولة دستورها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ وبالتالي فقد كانت عقبة كؤودًا في سبيل طموحاتهم السياسية.
بسقوط مصر عام 2011 تجرأت الحركة على إعلان وجودها في ليبيا واليمن وسوريا والمغرب، وكان التمويل سخيًّا، والإعلام كريمًا، والدعم السياسي من البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية غير محدود. ولنا أن نتصور عظمة النصر الذي عاشوه، والنشوة التي اجتاحت مشروعهم، وعدد البلدان العربية والإسلامية التي وضعت في قائمة التغيير.
يحق لجماعة الإخوان المسلمين التنافس على السلطة في الجمهوريات العربية والإسلامية دون أن تحتكر الدين، وتكفّر وتفسّق معارضيها من المسلمين. لتكن حزبًا له مرجعية إسلامية ينحني للنظام وتداول السلطة وفق دساتير الدول، وليس تابعًا لمرشد يوقّع نيابة عن رب العالمين. من حق أي جماعة يجيز لها النظام أن تتنافس على السلطة أن تفعل ذلك، ولكن ليس تحت مظلة ولاية الفقيه في جلبابَيْها الشيعي أو السني.
وبما أن الشأن اليمني متفاعلاً فقد كان دخول الإخوان المسلمين له مبكرًا، وفي أيام الإمام يحيى الذي استضاف عضو الجماعة الفضيل الورتلاني، وخلال عام واحد من وصوله تمكن من تخطيط وتنفيذ انقلاب على السلطة، سُمي بثورة الدستور، التي أطيح بها سريعًا. وهكذا فلم تدخل هذه الجماعة بلدًا إلا ودمرت نظامه السياسي باسم الدين، أو حاولت. إنهم يرون أن المجتمعات جاهلية، وأن الأنظمة كافرة، وأن واجبهم الشرعي يقتضي تطبيق الحاكمية في أرض الله.
تم إحباط المخطط في مصر عام 2013م؛ إذ عندما أدرك المصريون ما هم مقبلون عليه خرجوا بعشرات الملايين إلى الشوارع في استفتاء يرفض حكم الإخوان، ومنذئذ وعملية إعادة الاستقرار للوطن العربي تتواصل. تعافي الجسد العربي يتعرض لانتكاسات بين الفينة والأخرى، وما يحصل في اليمن هو انتكاسة تصدت لها المملكة بحزم، وحافظت بحكمة على التحالف بجناحيه السعودي الإماراتي، وقضت على الانشقاق، وأقفلت الباب في وجه مَن أراد انتهاز الفرصة بشق صف التحالف، والزج بالشرعية واليمن في أتون المجهول.
خطة إصلاح ما خربته جماعة الإخوان المسلمين، بدعم ومساندة من الإدارة الأمريكية، وتمويل من بعض الدول الثرية، تم وضعها في بواكير عام 2015م. وهناك إصرار على إعادة الأمن والاستقرار لهذه المنطقة التي أوهنتها الحروب والنزاعات. المصلحة الأمريكية عبّر عنها الرئيس ترامب في خطابه في الرياض حين قال إنه لا يكفي أن نتعامل عسكريًّا مع الإرهاب، وإنما لا بد من تنمية شاملة، تزرع الأمل في نفوس الشباب؛ لينصرفوا عن التطرف. بالتأكيد هناك حالة شك كبرى حول نوايا الدول العظمى، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تريد منطقة مستقرة، تكون خط الدفاع الأول في وجه أي تمدد صيني.
حقبة جماعة الإخوان المسلمين أفلت، ولا سبيل لإعادة عجلة الأحداث للوراء، والتعامل معها شبيه بالتعامل مع الأحزاب النازية بعد الحرب الثانية، وعليها أن تتبنى مراجعات حقيقية، وتدخل في مصالحات واسعة مع مجتمعاتها؛ لتكون عنصرًا إيجابيًّا وفعالاً في محيطها.
الإسلام وقيمه ليسا في خطر كما يصوره إعلام الإخوان المسلمين، والمجتمعات الإسلامية لم ترتد إلى جاهليتها الأولى، كل ما في الأمر أن المسلمين يستعيدون دينهم وفقًا لما أراده الخالق وليس كما أرادته الجماعة.
المملكة بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الشاب القوي محمد بن سلمان هي حجر الأساس في إعادة الأمن والاستقرار في منطقتنا، ويلتف حولها من يشاركونها من دول المنطقة هذه المسؤولية، ويناصبها العداء من يصرون على إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.