د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تقرير أكدت فيه صحيفة الاقتصادية في 28/ 8/ 2019 أن انخفاض إيجارات المساكن في السعودية 7.7 في المائة في يوليو 2019 أدى إلى انكماش معدل التضخم للشهر السابع على التوالي، وذلك بنسبة - 1.3 في المائة خلال مايو 2019 مقارنة بالشهر نفسه من عام 2018، وفقًا لتحليلات وحدة التقارير في صحيفة الاقتصادية، استند إلى بيانات رسمية.
والسؤال: هل انكمش التضخم نتيجة انخفاض إيجارات المساكن؟ لكن ألم يأخذ التقرير في حساباته المبادرات التي أطلقها برنامج سكني التابع لوزارة الإسكان التي انعكست على زيادة المعاملات العقارية 63 في المائة خلال الربع الأول من 2019 مقارنة بالفترة نفسها من 2018، ونحو 46 في المائة خلال الربع الثاني مقارنة بالربع نفسه من 2018؟ وهذا النمو راجع إلى نجاح برامج سكني التي زادت ثقة المواطنين بالبرامج والمشاريع الحكومية، وزيادة معدلات التمويل العقاري، وهذا بناء على تقرير صادر عن نايت فرانك للدراسات العقارية المتخصصة.
وقدّمت وزارة الإسكان مجموعة خيارات تمويلية واسعة، أسهمت في زيادة تملك المنازل بين الأسر السعودية، ونمو قطاع التمويل العقاري. وهي خطوة رئيسية لإصلاح السوق العقارية لضمان مضاعفة مساهمة القطاع العقاري في الناتج الوطني المحلي السعودي بنحو 7 في المائة سنويًّا حتى 2020 ضمن تحقيق أهداف برنامج التحول الوطني.
وصممت وزارة الإسكان على أن يحتل قطاع العقارات موقعًا رئيسيًّا ضمن المبادرات الحكومية التي وقفت بقوة أمام حل تحديات القطاع الإسكاني التي استمرت فترة عقدين من الزمن أو أكثر، وارتفع إثرها حجم التمويل من 15.238 مليار ريال عام 2018 إلى 38.581 مليار ريال حتى يوليو 2019، وكانت نسبة قيمة التمويلات المدعومة بنحو 85 في المائة باعتراف ساما بأن مواصلة النمو في عدد العقود العقارية المقدمة إلى المواطنين جاءت بدعم برامج الإسكان الحكومية.
التضخم السلبي مرض اقتصادي، يبطئ نمو الاقتصاد، وقد يؤدي إلى انكماشه، ويرفع من نِسَب البطالة، وقد يدفع الاقتصاد إلى كساد طويل، له آثار سياسية واجتماعية، وقد يؤدي إلى تقلص الاستهلاك والاستثمار الذي يؤدي إلى تآكل الطلب، ويتسبب في الاستغناء عن بعض الموظفين؛ لذلك تستهدف البنوك المركزية عادة تضخمًا بحدود 2 في المائة سنويًّا، يضمن ابتعاد الاقتصاد عن خطر التضخم السلبي، ويضمن تحفيز الاستهلاك والاستثمار.
وأعلنت مؤسسة النقد أن معدل التضخم في يوليو 2019 سالب 1.3، ولكن هل هو فقط بسبب انخفاض الإيجارات كما يدعي تقرير الصحيفة؟ لكن الإيجارات انخفضت بنسبة 8.9 في المائة للشهر الـ24 على التوالي، فيما كانت نسبة التضخم في ديسمبر 2018 إيجابية 2.2 في المائة، وكان حينها بند الأجور منخفضًا.
بنظرة فاحصة إلى بند الإيجارات نجد أن الانخفاضات أتت نتيجة عوامل رئيسية، في مقدمتها شواغر الوحدات السكنية نتيجة ضخ عشرات الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة، وخروج 3 ملايين نسمة من الوافدين كعمالة وأُسر مخالفين لنظام الإقامة والعمل خلال العامين الماضيين، إضافة إلى انتقال عشرات الآلاف من الأسر السعودية لمساكنهم الجديدة المملوكة، وتحولهم من مستأجرين إلى متملكين لمساكنهم. ومن المتوقع استمرار انخفاض الإيجارات لعامين مقبلين أو أكثر، وسيؤثر ذلك على الأسعار السوقية لتلك العقارات، وهو أحد أهداف الدولة، وهو من التطورات الإيجابية لتصحيح مسار قطاع العقارات في السعودية؛ إذ سجل انخفاض أسعار العقارات للربع الثاني 2019 انخفاضًا سنويًّا للربع الـ17 على التوالي، وصلت نسبته إلى 3.8 في المائة، وليصل إجمالي انخفاضه مقارنة بسنة الأساس 2014 إلى 20.9 في المائة، وللقطاع السكني 19 في المائة للفترة نفسها، وللقطاع التجاري 26.1 في المائة أيضًا للفترة نفسها.
فالتضخم السلبي في السعودية لم يكن فقط راجعًا لانخفاض الإيجارات، بل هو تضخم سلبي هيكلي بسبب أن الدولة تتجه نحو تحولات اقتصادية جذرية، تزامنت مع انخفاض أسعار النفط في منتصف 2014، وبادرت الدولة بتنفيذ رؤية المملكة 2030 للتحول من الاعتماد على اقتصاد أحادي، وتحريك بقية الاقتصادات، وتوطين اليد العاملة السعودية، وتحريك الاقتصاد السعودي الكلي بعيدًا عن الأحادية في كل شيء بمشاركة اجتماعية للتحول من دولة الرعاية غير المستدامة إلى دولة الرفاهية المستدامة.