عبد الله باخشوين
في الحافلة التي تولت مهمة نقلنا من مقر إقامتنا لحضور الحفل الرئيسي لمهرجان الجنادرية كنا أربعة.. خامسنا هو (الطيب صالح)- رحمه الله-.
هاشم عبده هاشم.. وعلوي طه الصافي.. وعبدالعزيز نهاري..وأنا.
كنت أجلس إلى جانب الطيب صالح.. ربما لشدة حبي له، فأنا أعتبره أهم روائي عربي على الإطلاق.
وفي تلك (الرحلة) التي كانت غير قصيرة دار الحديث - سبق أن كتبت عن هذا اللقاء أكثر من مرة - وأخذ كل منا يطرح على الروائي العظيم الجانب الذي أحبه من أعماله وهو يعلق حين يلزم الأمر ويستمع إلى ما يقال استماع محب لمحبيه.. إلى أن وصل الحديث لرواية (بندر شاه) وجزئها الأول (ضو البيت) حيث سأله أحدنا عن (الأمثولة) أو المقولة التي تصدرتها.. والتي يقول نصها:
- (أحدوثة عن كون الأب ضحية لأبيه وابنه).
فقال ما معناه أن تلك (الأمثولة) تأتي كدليل خاص به في الكتابة..؟!
ولأنني قرأت هذه الرواية عدة مرات.. فقد نقلت الحديث إلى ما فيها من (واقعية سحرية) سبقت قراءتنا لهذا المصطلح الذي أطلق على رواية (مائة عام من العزلة) لماركيز.. حيث إن (ضو البيت) صدرت عام 1971.. بعد ذلك بعدة سنوات - وكنت في عكاظ - فوجئت بالدكتورهاشم يرسل لي مع أحد الزملاء نسخة من الأعمال الكاملة للطيب صالح.. واعتبرتها بادرة ودية منه وطلبت من الزميل أحمد ضيف شكره بالنيابة. غير أني لم أنس الرواية والأحاديث المتبادلة مع الطيب صالح الذي كان ضيفاً دائماً لمهرجان الجنادرية.. والذي يعود بالذاكرة للرواية لابد أن يتذكر (الروح السحرية) لخروج (بندر شاه) من النيل غريقاً.. ولابد - فيما بعد - أن يتذكر تفاصيل (المشهد) الذي يروي كيف أصبح الحفيد أداة للجد عندما يطلب منه أن يأخذ (السوط) ويجلد أباه تنفيذاً للعقاب الذي أنزله الجد به.
أما في الجزء الثاني (مريود) فيشعر القارئ أن الكاتب أدخلته (الرواية) في حالة صوفية استغرق في شاعريتها ولم يتمكن من الاستغراق في التفاصيل التي أثرى بها الجزء الأول.
توقفت قراءتي لأعمال الطيب صالح في هذه المرحلة رغم صدور أعمال للكاتب بعدها..واستغرقتني عن القراءة هموم أخرى.. غير أن الذاكرة كثيراً ما تعود بي للرواية ولقاء الطيب صالح بصحبة ذلك (الثلاثي) على غير موعد مسبق.. أما هذا المقال فهو يحمل نفس العنوان الذي نشر به موضوع كتبته عن الطيب صالح بفعل ما في (بندر شاه) من واقعية سحرية.