د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
نتطلع جميعًا إلى تحقيق رؤية المملكة للعام 2030م، والتقليل من الاعتماد على النفط. ومعظمنا يعتقد ألا خيار آخر غير النجاح. والسياحة بمختلف قطاعاتها هي من ضمن القطاعات التي يعول عليها كثيرًا في تحقيق الرؤية. وقد وجّهت الحكومة بابتعاث كثير من الشباب، وتدريب آخرين في معاهد ودورات في المملكة لتنشيط هذا القطاع المهم. وتعد الخطوط الجوية والمطارات من أهم مرافق السياحة، ولكن يبدو حتى الآن أننا لم نحقق ما نرجوه من خطوطنا الموقرة، ولا من مطاراتنا.
مطاراتنا اليوم أفضل من السابق بكثير، وهي واسعة، ونظيفة، ولكن خدماتها - رغم الإمكانات الكبيرة - أقل من المتوسط. ولو كان لكاتب المقال أمرٌ في أي من مجالات تحقيق الرؤية لوجَّه بتأسيس مؤسسة عامة، تُعنى فقط بحصر الإمكانيات البشرية الضخمة للمملكة، ووضع استراتيجيات للاستفادة منها. فمهما قيل عن الخبرات الأجنبية لن يحك جلد هذه البلاد بالشكل المطلوب إلا أظافر أبنائها. وعاجلاً أو آجلاً سنضطر للاعتماد على أنفسنا، وعلى أنفسنا فقط.
في مطار الملك خالد مؤخرًا، وهو مطار تطوَّر إلى حد كبير، كانت لي تجربة لم أتحسر فيها على ما عانيته فقط، بل تحسرت على عدم ملاحظتنا بعض الأمور الصغيرة في حجمها، والمؤثرة في معناها. وكان أول ما صادفني في المطار هو صالة رجال الأعمال. قبل الدخول إلى الصالة في الصباح قابلتني رائحة قوية جدًّا للكاري، وكان من الواضح أن هناك من يطبخ أكلاً هنديًّا للمطعم، ورائحة الكاري تزكم الأنف.. وكما يعلم الجميع، تعلق في الشعر والملابس، والناس عادة تطبخها في مطابخ خارجية لنفاذ رائحتها. وليت الأمر توقَّف عند هذا الحد، بل إن الطعام المقدم في الصباح كان حمصًا، ومتبلاً، وورق عنب، و(كاري)... إلخ. وكان واضحًا أن الإشراف على الطعام يقوم به شخصية وافدة.
وجميع من عرفت من الأجانب، أو من قرأت ما كتبوا عن المملكة، وضعوا الطعام على قمة الأمور التي أُعجبوا بها في المملكة. وقد اختار خادم الحرمين في إحدى المناسبات الكبرى فتاة سعودية لتنسق مائدة طعام الضيوف. ولدينا اليوم الشباب السعودي، لديه خبرات عالمية في تنسيق الموائد، وإعداد القهوة. والطعام - كما هو معروف - مهمٌّ للسياحة، والسياح، والزائرين، يكوِّنون جزءًا من فكرتهم عن أي بلد من خلال الطعام، فأين شبابنا من تخطيط خطوطنا الموقرة؟ وللمناسبة فإن الخطوط الجوية تحتاج إلى شخصيات لها خبرات كبيرة في إدارة قطاع الضيافة؛ فجزء من خدماتها هي الضيافة. ونحن السعوديين عُرف عنا كرم الضيافة، فكيف نترك خدمات ضيافتنا لوافدين؟
الأمر الآخر الصادم في المطار هو ماكينات صرافة البنوك؛ فقد كانت إحدى الصرافات عاطلة، لا تعمل. وأما الصرافة الأخرى فكانت تعمل، ولكن بشكل عكسي خطير؛ إذ صادرت معظم بطاقات المسافرين، ولم ترجعها لهم!! وكانت بطاقتي - للأسف - من ضمنها. وهي لم تصادرها فقط، ولكنها ألغتها أيضًا. ولحسن الحظ حضر المشرف من البنك على الصرافة في الساعة التاسعة لأخذ النقود، وأعاد بعض البطاقات لأصحابها، ولكنها كانت ملغاة. وجرَّب الصرافة مرات عدة، ثم اعتذر وغادر. ومما قاله وسط استغراب الجميع أن بعض البنوك لا تعترف ببطاقات بنوك أخرى؛ فتسبب لها مشاكل عند الصرف من مكائنها! ولا أعرف مدى صحة هذا الأمر، ولكنه خطير!! وعلى القارئ الكريم أن يتصور حال مصادرة بطاقته البنكية قبيل صعوده الطائرة! المسافرون، والسياح، والزائرون، يكوِّنون فكرتهم عن أي بلد يزورونه من خلال بعض التفاصيل الدقيقة في الخدمات التي يعتبرها البعض غير مهمة وغير أساسية.. ولكننا في الآونة الأخيرة لاحظنا اهتمامًا كبيرًا من الشباب السعودي بهذه التفاصيل، وإظهارهم دراية كبيرة بها، ومهارة كبيرة في العناية بها، فمحزن جدًّا أن نملك كل هذه الإمكانيات والطموحات ونتوقف عند هذا المستوى من الأداء.
عمومًا، فقد تكررت الملاحظات حول خدمات مطاراتنا وخطوطنا التي رغم ارتفاع أسعار تذاكرها النسبي تقدِّم خدمات أقل من التوقعات.