عبده الأسمري
في دوائر الحياة ومدارات العيش يربط الانتماء الإنسان نحو بيئة معينة أو مجال معين وتبقى الروابط في هذا المجال محكومة بالنفس والروح والمكان والوسيلة والغاية والهدف والنتيجة.
هذا الانتماء البشري العميق الجذور المتعمق الأصول المؤصل في أعماق الإنسان المتأصل في عمق العمر يبقى رهينا إلى بوصلة الاهتمام وتبعية المجموعة أو الدائرة وفق الميول والاتجاهات والقيم..
في خضم الحياة مؤشرات للانتماء في مسار معين سواء كان للذات نفسها أم للأسرة أو العائلة أو القبيلة أو الوطن أو المشهد أو المهنة وغيرها من المسارات الحياتية أو المهنية أو المكانية التي ينتمي إليها الإنسان بحكم الوجود أو عبر التواجد أو فرضية الوجد.. ويسير لنيل «تأشيرات» العبور إلى تحقيق الأمنيات التي تتمحور في إطارات «الرضا والقناعة» أو «التجاوز والجشع «فتبقى قطبية «الأهداف» منبعثة ومنطلقة من خلق الإنسان ومعدنه وأصله وأفكاره ومصالحه.
الانتماء شعور فطري يبدأ مع الإنسان منذ صرخة الميلاد ويكبر معه في وقت تحفظ فيه ذاكرة المخ والمجال البصري «الوجوه المتكررة» في «أرشيف» الحياة.. ثم تبدأ الملفات المحفوظة بالاسترداد والنكوص والاستذكار والاستحضار في قالب بشري حتمي وبلورة فكرية محتمة وفق الاسترجاع أو التراجع.
يحرص الطفل لعبته ويحميها من القريب قبل البعيد ويبكيها عند فقدانها أو تلفها لشعوره برابط الانتماء الفطري الذي يتنامى في وجدانه كلما طال معه وقت اللعبة وزاد تعلقه بها ويكبر الأمر في ذهنه وينمو عبر سلوكه حتى تتشكل مواثيق الانتماء لديه وتكبر بعدها لتنتقل إلى أسرته وأصدقائه ومجتمعة لتمضي إلى «عقله» الباطن كصروح عتية أم ثورات الزمن ومثيرات التغير.
الانتماء للمكان الأول والموطن التليد والموقع الأقدم يجعله «خلية» جسد يبقى نسيمه وهواه وتضاريسه «مشهدا» يقتحم كل الأماكن اللاحقة ليطغى عليها ويهزم تواجدها رغما عن تغير «العيش» وتبدل «التعايش».
يكبر هذا الانتماء ليكون للوطن «المجال» الأبدي في «سعة» الحضور واتساع «الهيمنة» فيبقى الرهان الأكبر والمكان الأعظم الذي يحتل مساحات «العشق» ويستوطن ساحات «الوفاء» ليكون تذكرة الخير في «ذاكرة» العرفان ويظل تذكار الفرح في استذكار «الامتنان» ليشكل «المجموعة الكاملة» في اكتمال المعاني والقيم والارتباط والترابط بالعناوين والتفاصيل والمغانم والغنائم ليصبح «الوطن» رصيد الانتماء الأعلى المديد بالامتثال والاكتمال.
الانتماء إلزام إنساني والتزام بشري يبقى «رهين» الوفاء المسجوع في أصول الإنسان وفروع توجهاته في مقتضيات الحياة ومتطلبات المعيشة وإن سقطت جسور هذا المفهوم تظل الفجوة قائمة معلنة «هزيمة» الذات» مقيمة في «دائرة» النفس مؤكدة «خذلان» الهدف وفشل التوجه.
انتماؤك لمكان ما يعني أن تعيش شعور الكينونة والكيان في الارتباط وأن تستشعر مشاعر الديمومة والاستدامة في الترابط مما يصنع «وشائج» التكامل والاكتمال بين عنصر ومجموعة وبين ضلع وشكل وينسج «خيوط» الرداء المكتمل بين المثير والاستجابة ويحيك نسيج الجلباب الكامل بين الأثر والتأثير.
الانتماء عنوان المحيط الواحد الذي يجمع تفاصيل الترابط الذهني والنفسي والروحي بين عناصره ليظل «الإنسان» العدد الصحيح والناتج الحقيقي لهذه المعادلة التي ستظل سائرة دوما بين مد الإلزام وجزر الالتزام مرتهنة إلى يقين «القلب» وتيقن «العقل» بالعلاقة الوثيقة بين المنتمي والمنتمي إليه في دوائر الأحياء والجماد.
الانتماء الشعور الأصيل النبيل الذي يرسم علاقات «الأشياء» ويؤكد ارتباطات «المشيئة «في مقادير وأقدار تعيد «النفس» إلى سيرتها الأولى وإلى ثباتها «الأول» المبني على الفطرة والمرفوع بسنوات العمر والمشفوع بذكريات الدلائل الخالية من التأثيرات الموثقة بالمسلمات.
الانتماء «حالة» شعورية و»قيمة» نفسية «تعكس «موازين» الروابط الأخلاقية والمواثيق البشرية بين الإنسان من أعماق ميوله واتجاهاته ومعيشته إلى آفاق نتائجه وأقداره وحظوظه ليبقى في اتجاهين من الإلزام الذاتي والالتزام الاجتماعي في منظومة حياة ونظم عيش ونظام معيشة في المواقف والوقفات ووسط المعطيات والعطايا.