د. خيرية السقاف
هذا اللحد الذي يفغر فاه كلما آوى إليه جسدٌ كان يدب على الأرض مخبأ سريٌ لصمت الأنفاس..
لغيب يطوي أسرار عظمة الله فيها، كيف تبخرت دون أن نراها هذه التي كانت شهيقًا، وزفيرًا يؤكد في الإنسان حياته، تمنحه كل جزيئة فيه تنبض، قلبه، عقله، مسرى دمه، ومجرى إحساسه؟!..
كم يفجعنا هذا الفاغر فاه حين ينزل إلى جوفه عزيزنا القريب، وصديقنا البعيد، التي انفصلنا ردحًا من الزمن عن حبلها السري، والذي دبت بنا أقدامنا في منأى عن كنف جناحيه..
كيف نجتمع على دموع، ونفترق على أحزان، وأحبتنا يتجهون إليه، هذا المخبأ النهائي لأجسادنا المسجاة عن أروحنا؟!،
السري لكل ما فينا حين لا نعد ندري إلى أين؟!، ولا كيف، ولا متى نلتقي خارجا عنه؟!..
الموت، هذه المفردة الوحيدة التي تزاوج فقدنا حين يحضر، وحين تُحمل بحضوره أجسادنا حين تنسحب منها أرواحنا إليه، إلى هذا المخبأ المنشقة عنه أرض دبيبنا، حركتنا، وممشانا....
الموت وحده المنتظِر لنا عند مشارفه يأخذنا إليه، يزجنا فيه، ثم يذيبنا نمتزج بثراه، كما الروح بعديلها، والأم بفلذاتها، والرفقاء بأحبتهم، والأصدقاء بأشباههم..
الموت وحده الذي يأخذنا من تلابيب شغفنا بالحياة إلى عميق تواصلنا بالغيب..
الموت وحده الذي يفتح المخبأ، ويأخذ إليه الأثمن، والأغلى..
فلا الدموع مجدافٌ، ولا الأحزان سٌفنٌ، ولا الحياة النابضة فوقه ملاذٌ.
قوي هذا الموت على رهافة نفوسنا، شديد على لوعة إحساسنا، لكنه الذي تندس فيه كل الأسرار التي نبحث فيها عن صمت الحركة، وسكوت النبض، وغياب الجسد، وكل الذي يعتصر في الجوف، يؤلب فيه اصطراع الحزن، بالدمع، بالآهة، بالحرقة، بالعجز، عند فراغ المكان، وفقد الطيوف، ورحيل الأصوات، ووحشة الفراق..