عبدالوهاب الفايز
فصل الصناعة عن وزارة الطاقة خطوة إيجابية؛ لقيت الترحيب والارتياح؛ فالصناعة عندما دخلت تحت منظومة الطاقة تعثرت أولوياتها (وهناك من خشي أن تدخل في متاهة)؛ فبعد إغلاق 620 مصنعًا منذ مطلع 2017، نصفها منتج، والباقي تحت الإنشاء، وديونها للقطاع المالي تتجاوز 100 مليار ريال.. كانت مبادرة (ولي الأمر) باتخاذ القرار الأصلح والأفضل للمصلحة العامة. وهذه الشجاعة الأدبية للانحياز للحق مبدأ تعودنا عليه؛ فلا مجال للمكابرة أو الاستمرار بوضع يتضح ضرره للبلاد والعباد.
منذ عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ظل أبناؤه على منهجه، يأخذون بما يُشار ويُقترح عليهم، ولا يعزمون على أمر يهم الناس بدون الاستشارة الواسعة والاستنارة بما يراه أهل الحل والعقد. وهنا مسؤولية المستشارين ورجال الدولة بمختلف مواقعهم.. واجبهم الأمانة في الاستشارة الصادقة التي يفترض ألا تتأخر إذا كانت المصلحة العليا للبلد تتطلب التدخل وتعديل الأوضاع.
في العقود الأربعة الماضية حققت الصناعة مكتسبات واسعة. وهذه المكتسبات لم تأتِ على طبق من ذهب؛ فقد تحققت بفضل الله، ثم بفضل الدعم والإنفاق السخي على البنية الأساسية للصناعة. والأهم: نجحنا في الصناعة بجهد الرجال الذين قادوا تأسيس الصناعة الوطنية. وهنا نتذكر إرادة وتصميم الملك فهد - رحمه الله - لوضع الصناعة السعودية على خارطة الصناعة العالمية، وكان قراره التاريخي بإنشاء الصناعات البتروكيماوية العملاقة في الجبيل وينبع؛ لذا ما أنجزناه واجبنا الآن المحافظة عليه، وتنميته؛ حتى يكون رصيد بلادنا للأجيال القادمة.
العودة إلى إيجاد وزارة متخصصة بالصناعة محددة الأهداف والمخرجات تساعدنا على (تركيز الجهد والاتجاه) إلى المسار السليم لقيادة قطاع الصناعة في المرحلة القادمة. وإنشاء هذه الوزارة من جديد اعتراف بأهمية (التحديات الكبرى) التي تواجه الصناعة الوطنية محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا.
على المستوى المحلي هناك تحديات وتعقيدات الإدارة الحكومية التي لم توحِّد جهدها لتفعيل السياسات والقرارات، مثل قرارات (المحتوى المحلي)؛ فهذا الجانب تحفه إشكالات فنية وتشريعية. وهنا نتوقع من وزير الصناعة الجديد أن يعطي هذا الملف الأولوية التي يستحقها؛ حتى نعظّم الاستفادة من المشاريع الكبرى التي تشرف عليها الصناديق السيادية.
أيضًا الصناعة تواجه تحديات ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج، وارتفاع تكلفة التمويل من القطاع البنكي، وتحديات التسويق للمنتجات الصناعية، وأيضًا تحديات (الإغراق) الذي (يداهم) مكتسبات الصناعة، ويهدد مستقبلها. ويبرز هذا التحدي في الصناعات عالية القيمة المضافة، التي لدينا المواد التحويلية الأساسية التي تحتاج إليها.
عالميًّا، تواجه الصناعة تطبيقات الممارسات غير العادلة في التجارة الدولية، وهذا طبيعي مع تطور التكتلات الصناعية الإقليمية، وحاجتها الماسة إلى الأسواق ذات القدرة الشرائية العالية. والمملكة في قائمة الدول المستهدفة بتصدير السلع. أيضًا ما يهدِّد منتجات الصناعة المحلية الآن ومستقبلاً هو تطور التجارة الرقمية؛ فالمستهلك السعودي انفتحت له مصادر جديدة للتسوق عالميًّا.
و(تحديات التسويق) ظلت مشكلة أساسية للصناعة الوطنية، كما هو الحال في الزراعة. مع الأسف بقي الاهتمام الحكومي بهذا الجانب سلبيًّا وغير مبادر، وبعيدًا عن إدراك حجم الضرر الذي يتركه على المنتج والمستهلك. البضائع الرديئة أغرقت أسواقنا رغم وجود المنتج المحلي الخاضع لمعايير الجودة الوطنية والعالمية. وهذا الوضع ظل يهدر مكتسبات الصناعة، كما أهدر مكتسبات الزراعة، والخسارة مضاعفة على المنتج والمستهلك والاقتصاد الوطني!
أيضًا، من أهم التحديات التي تواجه الصناعة الوطنية التطورات التقنية القادمة. وزارة الصناعة عليها تهيئة القطاع؛ لكي يستعد لـ(الثورة الصناعية الرابعة)، وثورة الروبوت، وثورة الصناعة الرقمية. هذه تقدم تحديات وجودية، والحكومات من واجباتها الأساسية تهيئة بلادها لاحتمالات المستقبل. مثلاً، في قطاعنا تتراجع الصناعة الإعلامية الآن، وبخاصة الصحافة؛ لأن وزارة الإعلام في العقد الماضي كانت تعيش في الزمن الجميل، ولم تستشرف المستقبل، وتعمل على إدخال التشريعات الضرورية لتجديد حيوية الصناعة الإعلامية.
بقي القول إن ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج فرض تحديًا كبيرًا على الصناعة الوطنية، لكن - وبشهادة قيادات الصناعة - كانت (الصدمة) في صالح الصناعة؛ إذ ساعدت على رفع كفاءة التشغيل والإدارة في القطاع، ووضعت القيادات أمام تحديات جديدة. والأمر الإيجابي المفرح أن القيادات السعودية كانت مستعدة وقادرة على مواجهة الصدمة. وهذا نجاح نجنيه في جبهة بناء الإنسان. لقد رأينا كيف استجاب الجيل الصناعي الجديد للتحدي؛ لذا فإن الوقوف معهم ضروري حتى لا تقسو عليهم الظروف الخارجة عن إرادتهم.
نتمنى للوزير الجديد بندر الخريف التوفيق في مواجهة تحديات الصناعة.. وبحول الله سوف ينجز ما نتطلع إليه. ولن يواجه المهمة وحده؛ فسمو ولي العهد كان قريبًا يسمع ويتابع عن قرب أوضاع القطاع الصناعي؛ لذا كان القرار الضروري هو إعادة وزارة الصناعة.. والعَوْدُ أحمَدُ!