د. فوزية البكر
لم يتوقف تلفوني والواتس أب عن العمل منذ ظهرت نتائج القبول في الجامعات المختلفة وأظن ذلك حال الكثيرين حيث يعتقد من لم يحالف ابنه أو ابنته الحظ بالقبول في جامعة ما يرغبها أن أي أحد يعمل في الجامعة أو سبق له العمل فيها سواء كان إداريًا أو أستاذًا أو عميدًا فله القدرة على الوصول إلى مقعد ما ويغفلون أن الجامعات اليوم هي بعشرات الآلاف من الطلاب وآلاف الموظفين في عمادات مستقلة عدا عن الشروط الصارمة للقبول في كل كلية وقسم التي تقررها عبر مجالس متعددة الأقسام والكليات قبل عام من نتائج القبول الحالية والتي يتم فيها تحديد عدد المقاعد المتاحة في كل قسم بما يتناسب مع الطاقات البشرية والمادية المتوفرة إضافة إلى شروط القبول المختلفة من نسب ومهارات وخبرات... إلخ. أي أن العملية معقدة جدا للوصول إلى مقعد لكن أظن أن ما يحتاجون إليه هؤلاء إذا ما كنا غير قادرين على مساعدتهم للوصول إلى مقعد هو الإرشاد: أي كيف أسير في هذه الطريق المظلمة التي انفتحت في طريقي بعد آمالي العريضة للالتحاق بالجامعة؟ ماذا أفعل الآن؟
سؤال يجب أن نطرحه فعلا إذ يجد الآلاف المؤلفة من خريجي المرحلة الثانوية أنفسهم خارج قطار التعليم الجامعي.
وبحسب ما ظهر من بيانات بلغت أعداد خريجي الثانوية العامة لهذا العام الدراسي 356.269 طالبًا وطالبة، وما أعدته الجامعات والتعليم الفني من خطط وبرامج سيستوعب ما نسبته 87 % من عدد الخريجين والخريجات للفصلين الدراسيين الأول والثاني من العام الجامعي الجديد أي أن ما نسبته 13 % بقوا في العراء دون غطاء جامعي، هذا إذا افترضنا الكفاءة الداخلية المطلقة لمؤسسات التعليم ما فوق الثانوي لاستغلال كل مقعد متاح وهذا ما لا يحصل بالطبع مما يرفع نسب عدم القبول إلى ما نسبته 15 % من خريجي الثانوية على أقل تقدير. تصور ابنك أحد هؤلاء وتصور حين تغلق فرص التعليم الجامعي في وجهه أين يذهب؟
هناك 29 جامعة حكومية (مع عدم احتساب جامعة الملك عبدالله) استطاعت كل واحدة منها استيعاب عشرات الآلاف من المقاعد كما أن هناك 14 جامعة أهلية اثنتان منها في جدة وواحدة في بريدة وواحدة في المدينة المنورة والباقي في الرياض وهناك 29 كلية أهلية تتوزع والحمد لله في المناطق المختلفة ما بين الخبر ونجران والحدود الشمالية وغيره وهذه علامة جيدة لإتاحة فرص إضافية لتعليم أبناء المناطق كما أن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني تتواجد في كل مناطق المملكة ولديها طاقة استيعابية لـ3 % من خريجي المرحلة الثانوية.
لم نتحدث طبعا عن مستوى التعليم أو نوعه أو التخصصات المطروحة في هذه الجامعات والكليات والمعاهد ومدى جودتها لسوق العمل وما هو متاح للبنين وما هو متاح للبنات في هذه الكليات والجامعات وهذه معضلة بحد ذاتها. وتسمى في تخصصنا: علم أصول التربية: الكفاءة والجودة للتعليم المقدم والمساواة في الفرص بين أبناء المناطق وأبناء المدن وبين الرجال والنساء.
ما الحلول التي يمكن تقديمها؟ لاحظ أن التعليم الأهلي لن يتمكن من شغر مقاعده كاملة لأن الكثير من الذين لم يحظوا بشرف الحصول على مقعد جامعي هم من الفقراء أو متوسطي الدخل ولأن برنامج المنح الداخلية الذي كانت توفره وزارة التعليم العالي سابقا قد توقف فالكثير من مقاعد هذه الجامعات والكليات الأهلية سيبقى شاغرًا ولذا وتحت بند المسؤولية الاجتماعية أتمنى لو تتقدم البنوك والشركات الكبرى وأصحاب الخير ومن يريدون تقديم صدقاتهم وزكواتهم فيما يخدم هذه البلاد بإيجاد مظلة عبر وزارة التعليم -وكالة التعليم العالي لاحتضان هؤلاء الطلاب الذين لم يحظوا بمقعد وأن يتم تبنيهم ضمن برامج تعليم الجامعات والكليات والمعاهد الأهلية ودفع تكلفة تعليمهم حتى التخرج ويمكن لهذه الجهات وضع شروط التوظيف لاحقًا في هذه المؤسسات.
فكرة أخرى رغم أني لا أحبذها ولكنها السائدة للأسف في الولايات المتحدة وهي إقراض الشباب لدفع أقساطهم الجامعية عبر البنوك. ورغم أن هذه الطريقة مخيفة وحملت ملايين الطلاب الأمريكيين اليوم ديونًا هائلة يحتاج البعض منهم ممن درس تخصصات صعبة مثل الطب أو المحاماة ما يربو على عشر سنوات لدفع فوائد هذه الأقساط لكنها فيما يبدو هي الحل الوحيد والسريع لمشكلة هؤلاء الطلاب الذين يصرخون فينا بملء أصواتهم: لماذا تركتمونا في العراء وأين نذهب؟