د.محمد بن عبدالرحمن البشر
استطرادًا للمقال السابق عن الرحلة الحجازية لمحمد الحجوي المتوفى عام 1365هـ -1946م، وهي المخطوطة التي حققها الأخ الدكتور عبدالمجيد خيالي، يذكر صاحب المخطوطة أن الرحلة ما بين مصر والحجاز نحو 430 ساعة، والرحلة ما بين الرباط وجدة عشرون ساعة في ذلك الوقت، اليوم الرحلة من القاهرة إلى جدة أقل من ساعتين ومن الرباط إلى جدة أقل من ذلك بكثير نحو ست ساعات، وهذا يدل على أن تطوراً هائلاً حدث في تقنية الطيران.
يقول كاتب المذكرات أنه قد استقبل في مطار من قبل/ محمد نصيف الذي أخذهم بسيارته إلى منزله، وأكرمهم، ويقول حبيب ونعم الحبيب، وأن صداقة بينهما قد توثقت عن طريق المراسلات العلمية، ويذكر أنه استقبله رغم أنه لم يبلغه بقدومه، وأثنى عن كرمه الفياض لوجه الله تعالى، ويقول إنها داخلة في قوله عليه الصلاة والسلام «رجلان تحابا في الله، فاجتمعا عليه، وتفرّقا عليه».
وسوف أتوقف عند جملة ذكرها وهو أن استقباله له رغم عدم إبلاغه بالقدوم، جاء من وحي المحبة، وهذا لا أعتقد أنه صحيح، لكن ربما أن سفارة المملكة العربية السعودية بالرباط، قد أرسلت برقية إلى جدة، تبلغهم بالعلماء والشخصيات المهمة القادمة إلى الحج حتى تقوم المملكة بإكرامهم واستضافهم، كما هي قائمة حتى يومنا هذا، وربما علم السيد محمد نصيف بذلك، فذهب لاستقباله واستضافته بسبب ما بينهما من مراسلات علميه، والتآخي العلمي من أعظم التآخي بين الناس حتى وإن بعد المسافة، وكبرت المشقة.
ويقول كاتب المذاكرات إن السلطان ابن سعود، وهو يقصد جلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قد قدَّم لهم سيارة خاصة جديدة من أفخر وأفخم الأنواع، وقد حملتهم إلى مكة المكرمة، وكانوا في ضيافته -رحمه الله - حتى عودتهم، وقد يمكن الاستدلال به على أن معرفة السيد محمد نصيف بقدومهم، ليست من باب وحي المحبة، وإنما لتوفر المعلومة لدى الحكومة السعودية والسيد محمد نصيف.
سأقف عند معلومة أوردها كاتب المذكرات عن وقوف يوم عرفة، فهو يقول إنه ورد حديث شريف «يوم صومكم يوم نحركم»، ويقول إن الحافظ ابن حجر، قال: إنها قاعدة أغلبية وقد تختلف، وسأسرد ما قال في ذلك.
حيث يقول: وبناءً عليه، فقد كان أول رمضان بالمغرب يوم الثلاثاء الموافق 30 يوليو 1946م، أما في تونس فكان يوم الاثنين قبله بليلة، وكان أول ذي القعدة بالمغرب يوم الجمعة الموافق 27 سبتمبر عام 1946م بتمام شوال، لكن ذكر مذياع لندن أن أول ذي القعدة الخميس، ومن عادته أن يخبر عن مصر، وعليه فيكون أول ذي الحجة يوم السبت أو الجمعة، إن كان ذو القعدة ناقصاً، وكنا على شك هل يكون الوقوف في عرفة هو يوم التاسع أو الثامن من ذي الحجة يوم السبت أو يوم الأحد، وقد وجدنا أن مصر، وأهل الحجاز يؤرِّخون أول ذي الحجة يوم السبت بناءً على تمام ذي القعدة، لكن لما وصلنا مكة المكرمة، نادى المنادي، بأنه جاء التعريف من مدينة الرياض بأن أول ذي الحجة يوم الجمعة بنقصان ذي القعدة، فكان وقوف عرفة يوم السبت، وذهب الشك وانقطع الخلاف، ويكون عيد النحر يوم الأحد، لكنه كان في المغرب يوم الثلاثاء فتأخروا عنا يومين كاملين، لأن شوال وذي القعدة كاملان في المغرب، بينما كانا ناقصين في الرياض، ثم يقول: {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً}.
سأتوقف عند هذا النقل الجميل لما حدث في يوم الوقوف بعرفة، لنعلم أولاً أن إذاعة لندن كانت مسموعة وموثوقة في نقل خير يوم عرفة والعيد، وأنها تعتمد على الرؤية في مصر، والأمر الآخر هو ذلك الفرق الكبير بيومين، بين يوم العيد في المغرب، ويوم العيد في المملكة العربية السعودية، والحقيقة أنني قد عشت فرقاً بيوم واحد عندما كنت مسؤولاً بالمغرب لكن لم يحدث أن كان هناك فرق يومين، ولا شك أن فرق المسافة، وربما اختلاف الرؤية، وأن لكل بلد رؤيتها، وكذلك ضعف الوسائل المساعدة، من تلسكوب وحساب فلكي، قد يجعل ذلك الفرق قائماً في ذلك الوقت، كما أن المغرب تكثر فيه السحب، وقد يكون تعذّر الرؤية، قد أدى إلى إتمام الشهر، بينما في المملكة تكون السماء في الغالب صافية، ولا ننسى أن بعض الأخطاء في الرؤية قد تكون واردة بالأساليب المتبعة، دون مساعدة التقنية.