فهد بن جليد
هل فكرت يوماً في التوقف عن التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي؟ دراسات أجرتها جامعة كوبنهاجن وغيرها، توصَّلت إلى أنَّ الابتعاد عن هذه الوسائل لمدة (أسبوع واحد) فقط، كفيل بتعزيز استقرار الحياة النفسية والزوجية، وإيصال الشخص إلى (نقطة التوازن) الحقيقية في حياته، لتخليصه من الكثير من العادات الفضولية السيئة التي اكتسبها بتتبع أخبار الآخرين وتعقب تفاصيل حياتهم ومُقارنتها بحياته الخاصة مع كل تعليق أو رسالة أو إشعار يأتيه من الحسابات التي يتابعها. القرار لا يتطلب سوى الاستعداد التام لتحمل الشعور بالعزلة في بداية الأمر، وإرسال رسالة للجميع عن (نيتك) التوقف لبعض الوقت، وهو قرار مُرّ ومؤلم في بدايته يشبه (انفصال الأزواج)، ولكنك ستهنئ وتحظى بحياة سعيدة مُستقلة خلال (سبعة أيام) لتشعر بالفرق كإنسان طبيعي يعيش في (الواقع)، ولست مُجرَّد مُستخدم أنهكه (العالم الافتراضي).
هناك أشخاص من مُستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي -حول العالم - اتخذوا الخطوة بالفعل وشعروا بالفرق، بعضهم ربما يعيش بجوارك ولكنَّك لم تنتبه لذلك، كما أنَّ هناك أشخاصًا آخرين يفكرون جدياً في مُغادرة هذه المنصات، ويتمنون خوض هذه التجربة (بكل شجاعة) اليوم قبل غد، رغم صعوبة اتخاذ الخطوة مع تعقيدات الحياة العصرية وارتباطها بهذه الوسائل وتقاطعاتها بشكل كبير، مع تفكيرهم المستمر بحجم الخسارة المُحتملة التي قد تطالهم بسبب هذا الابتعاد والغياب المُكلِّف نظرياً، ولكنَّ الصداع الذي تجلبه هذه الوسائل لم يعد مُحتملاً -مع عدم وجود قوانين واضحة وملزمة- تحمي الخصوصية الفردية، وتمنع التبعية (اللاإرادية) أو تساعد على -أقل تقدير- بالابتعاد عن الآراء والأخبار المُزعجة وغير المهمة التي يتعرض لها المُستخدم طوال الوقت، وهو ما دفع لتزايد الدعوات (للتقنين) في أقل صوره، قبل (فكِّ الارتباط) كما تصفه العديد من الدراسات واستطلاعات الرأي، واللافت أنَّ الأمر لم يعد يخصُّ ثقافة بعينها فمُعظم الأشخاص في مُختلف المُجتمعات يفكرون في ذلك ملياً، لأنَّ الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي بات معضلة حياتية يومية لا تُطاق، بتعرض المستخدمين لهذا الكم الهائل من المحتوى (غير المُفيد وغير المناسب) الذي لا حاجة للجميع بكل تفاصيله، وهو ما جلب صعوبات عديدة (للناس) هم في غنى عنها.
الأجهزة الذكية طغت على أوقات الصغار قبل الكبار، وأفقدتنا (لذَّة الحياة) ومتعتها، نحن نُضحي بصحتنا وأوقاتنا ونُحاصر (أنفسنا بأنفسنا) دون أن نعي لحجم هذا الخطر، وكأننا في سباق لا (نهاية) له. لن أحدثك عن الآثار الصحية والنفسية المثبتة (طبياً)، ولا تلك التحديات الاجتماعية المُرِّهقة التي تخوضها دون داع، بل يكفيني فقط معرفة هل لديك (الشجاعة الكاملة) لدخول هذا الاختبار والنجاح فيه؟ أم أنَّك ستُعلن الاستسلام مُبكراً وتؤجل اتخاذ القرار؟.
وعلى دروب الخير نلتقي.