عبدالعزيز السماري
يعتقد الكثير أن الخطر في الشرق العربي هو الحروب الطائفية، وقد يكون ذلك صحيحًا لحد كبير؛ فالعقول في هذا المكان من العالم ما زالت متخلفة عن الركب العالمي؛ فما زالوا يعيشون في الماضي وفي سكرة الأساطير وقصص الخيال التي تنتهي بعودة الأموات إلى الحياة، وانتصارهم على الأحياء. لكن في خضم هذا التلوث العقلي أشير إلى أن الخطر القادم في هذه المنطقة من العالم هو الماء، والحروب على مصادرها في مناطق الجفاف.
فالتوسع الحضري، وزيادة أعداد السكان، يضغطان على المصادر الطبيعية، بينما لا تزال الحلول العلمية لزيادة تحلية المياه لا تقدم حلولاً جذرية لهذه المعضلة. ومهما ازدادت أسعار فواتير المياه فلن يتخلى الإنسان عن معدل استعمالاته اليومية نفسه للمياه ما دام منتظمًا في الحياة المدنية؛ وهو ما يجعل الاستثمار في إيجاد حلول أرخص وأكثر إنتاجية الحل الوحيد لإنقاذ البشر في هذه المنطقة من الهلاك والفوضى.
في الوقت الحاضر يمكن لدول الشرق الأوسط تحمُّل تكاليف إدارة تحلية المياه بسبب ارتفاع موارد النفط، لكن ذلك ربما لن يدوم طويلاً في ظل غياب الاستثمار في البحث العلمي إقليميًّا. قد يأتي الأمل مع نمو السكان في أماكن أخرى حول العالم بسبب تغيُّر المناخ وحدوث حالات الجفاف. وقد تصبح تحلية المياه خيارًا جذابًا بشكل متزايد في بقية دول العالم. ويتوقع المحللون أن يبلغ معدل النمو السنوي للصناعة ما يقرب من 9 في المائة على الأقل خلال السنوات الأربع المقبلة؛ وهو ما يعني أن الحل قد يأتي من الغرب قبل حدوث الكارثة.
محليًّا الناس يعانون كثيرًا من ارتفاع فواتير المياه، وتبدو حشود المحتجين على ارتفاعها أمام شركة المياه منظرًا مخيفًا؛ فقرار شركة المياه قطع المياه عن المنازل في حال تخلفها عن التسديد لا يتوافق مع منطق ضروريات الحياة؛ فالمرء قد يعيش بدون جوال أو كهرباء، ولكن من المستحيل أن يعيش بدون ماء، وإذا شعر الإنسان بخطر الموت من الجفاف يفقد عقله، وقد يخرج عن طوره، وهو الخطر القادم.
ضروريات الحياة لا ينبغي خضوعها للمنطق الرأسمالي المتوحش، الذي يعني ارتباط الحياة برأس المال. وقد يكون الحل قيمة ثابتة وموحدة على جميع المنازل، ثم تقنين صرف المياه إليها، لكن لا يمكن أن يكون الحل قطع الماء بسبب تخلف عن التسديد لفاتورة خيالية؛ ولهذا يجب مراجعة قوانين توزيع المياه، وإخضاعها للمنطق الأخلاقي والاجتماعي، مثلها مثل التعليم والصحة؛ فالإنسان فطريًّا لا يمكن أن يساوم على متطلبات حياته الأساسية، كذلك لا يمكن أن يكون الثراء شرطًا للالتحاق بأفضل المدارس والعلاج في أفضل المستشفيات.