مها محمد الشريف
وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي صرح بأنه «ضد تخصيص شركة (أرامكو) النفطية» بزعمه أنها ملك للشعب السعودي والعرب. ولم يتكلم عن شيء محدد يخص بلاده اقتصاديًّا، بل ما جاء به هو تدخُّل سافر في شأن محلي للمملكة.
وهو يهدف في عرضه المتلفز إلى التلويح بتاريخ حزبه الاشتراكي بلغة القوميين العرب الذين ظهر فكرهم القومي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين متمثلاً في حركة سرية، تكونت منها الجمعيات والخلايا، وتتخذ من دمشق وبيروت مقرًّا لها.و يتصف هؤلاء بغايات انتقامية، ولهم أبواق مدفوعة، تسببت في جميع النكبات والكوارث التي أصابت الدول العربية.
كان أرشيف الوثاق شاهدًا على تاريخهم وتراجع الدول التي يعملون من أجلها سياسيًّا واقتصاديًّا، ويكتظ حولها الضجيج على أهداف جماعات عشوائية، تعمل على خلط عجيب وجديد حول مضمون القومية التي تعكس معنى غير دقيق للعروبة؛ فالقومية السورية - مثلاً - ترتكز على الحيز العقدي، وهذا ما يجعل أيضًا «القومية الكردية» أو «البربرية» تميل إلى المرجعية العرقية بأمر جوهري، يُفقدها القدرة على تحرير ملايين الناس التي تقف عند مفترق طرق تاريخي.
وبعيدة كل البُعد عن مفهوم الدعوة إلى العروبة التي تعتبر دعوة فكرية وثقافية، بينما الدعوة إلى الوحدة العربية هي دعوة حركية وسياسية؛ لذا فالانتماء إلى العروبة ينطلق من الإجماع على كل شيء، وليس الإكراه، إضافة إلى قواميس داخلية ضمن مصطلحات الوحدة العربية العقلانية المعبرة عن كيان سياسي، يحتكم لفرض القوة والمصالح المشتركة بما لا يقبل الشك؛ لتصبح قابلة للفهم.
مصطلح القومية نادى بها أكبر طغاة الماضي، وحوّلوا هذا المصطلح إلى نظام مراقبة وأداة قمع بعيدًا عن إطلاق العنان له بصورة واقعية فريدة، تحدد المصير الذي تنتهي إليه من تجاربها التاريخية، حتى أصبحت تبحث فقط عن تحقيق أجندتها لتكون مآثرها شخصية منهمكة في تلميحات غامضة وقصص بلا قيمة، تقدمها لوسائل الإعلام.
وفي إشارة لتيار المستقبل، والبيان الذي نشره بعد لقاء جنبلاط التلفزيوني: «هذا أسلوب لا يتوافق مع تاريخ الحزب التقدمي الاشتراكي، وعلاقته مع الدولة الشقيقة (السعودية) التي كانت على الدوام إلى جانب لبنان وقضاياه»، و»لم تبخل في دعم مسيرة أمنه واستقراره في أصعب الظروف»، وذلك وفقًا لموقع «المستقبل اللبناني».
وبدلاً من الرد باعتذار، أو الرد من شخص يزعم أنه يهتم لأمر العرب، بعد صدور الإنذار من مسؤول في حكومة لبنان، استمر بعد ذلك بالتغريد على صفحته بتويتر، وكأن لسان حاله يقول على مضض إن «الضجيج الذي أُثير حول قسم من كلامي مع بولا يعقوبيان فسّره على أنه تدخُّل بالشأن السعودي الداخلي. واحترامًا لسياسة عدم الانحياز التي أرساها الشيخ سعد الحريري مع جميع الفرقاء، فإنني أعلن التزامي بهذا النهج تفاديًا لتفسيرات مغلوطة أو تأويلات غير دقيقة، قد تلحق ضررًا بمبدأ النأي بالنفس».
وفي المقابلة نفسها مع الإعلامية بولا يعقوبيان على شاشة المستقبل يفتخر بأنه تلقى دعوة من محمد بن سلمان لزيارة السعودية عندما كان سمير جعجع وأمين الجميل هناك، ولم يلبِّ الدعوة، مشيرًا إلى أنه لم يذهب «كي لا يُفهم بأننا نتحالف بوجه تحالف آخر». وقال: «ما من شيء يمنع فتح باب للحوار بين السعودية وإيران».
وأضاف: «إنني ضد تخصيص شركة (أرامكو) النفطية، وهي ملك للشعب السعودي والعرب. وصدام حسين رغم مساوئه أمّن نفط العراق». لافتًا إلى أن «الحرب على اليمن عبثية على السعودية وإيران. ما من أحد سينتصر في اليمن، هي مثل أفغانستان». وانتقد أيضًا الأزمة مع قطر، وذلك وفقًا لموقع «ليبانون ديبايت».
في الحقيقة، المناخ الملوث الذي يعمل به جنبلاط يقع في منطقة نائية بعيدة عن السياسة، ويدمر الوثائق الدبلوماسية، وذلك مناقض تمامًا للغاية التي تسير لها حكومة الحريري، وظهوره على تلفزيون المستقبل تحدٍّ وقح، وإقحام نفسه في شأن داخلي للسعودية مطالبًا شركة سعودية وثروة خاصة، ولكن القومجيين العرب منتحلون شخصيات العباقرة والمفكرين والاقتصاديين، ويحددون ثروات الدول ويوزعونها كما يريدون في مخيلتهم المريضة. من المضحك كيف يتحول لص جبل إلى أستاذ في التنظير، ويتحاور في غباء وجهل حول توزيع ثروة أكبر شركة لتصدير النفط في العالم «أرامكو»؟