أ.د.عثمان بن صالح العامر
كل يتمنى ما أراد، ويمني نفسه بما شاء، وليس لأحد أن يقطع على أحد حبل أمنياته ورغائبه التي قد تكون جامحة بالخيال محلّقة في عالم المستحيل، ومع أن هذه حالة مرضية إذا هي صارت ملازمة للإنسان في كثير من ساعات يومه، عقبة في طريق إنجازه وعطائه التنموي أياً كان مكانه في خارطة الوطن (الفعل الحضاري الفعّال) إلا أنها حتى في هذه الحالة ليست الرغائب الذاتية المرضية المعيقة للفعل الحضاري الإيجابي المطلوب مشكلة مجتمعية في ذاتها إلا إذا تركزت هذه الأمنيات والرغائب على الأحداث والأشخاص في ذهنية هذا الإنسان، ومن ثم تحولت مع مرور الزمن من مجرد تفكير ووسوسة ذاتية إلى أخبار ساخنة يطلقها هذا الحالم سواء في جلساته الخاصة أو عبر حساباته في تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي فيتلقفها البسطاء - الذين لا يعرفون السبر والتقسيم، ولا يعملون عقولهم فيما يردهم مكتوباً أو منطوقاً - بالقبول والاستحسان، فهم يتلقون بألسنتهم وليس عبر آذانهم، وسرعان ما يشاركون في نشر هذه الفرية الزغائبية المكذوبة، وكأنهم يسابقون الزمن حرصاً على الشهرة ولفت الأنظار، وسرعان ما تسري هذه الأخبار في الناس الذين خلطوا بين العالم الافتراضي والآخر الحقيقي حتى صاروا يعيشون بين بين، فلا هم من سكان الأرض ولا هم قطنوا الفضاء، وحتى يعزّز هذا الرغائبي ما ساقه من أخبار، ومن أجل أن يقوّي ما أشاع بين الناس من أراجيف يرفق صورة قديمة محسنة أو جديدة مفبركة لها صلة بالخبر، وربما نسب الخبر المختلق إلى مصدر مسؤول كذباً وزوراً. والطامة الكبرى أنه حين يجد رواجاً لكذبته الأولى في خبره هذا ينفخ الشيطان فيه فتتسع دائرة الرغبات عنده ويصير مصدراً دائماً للإشاعات التي تثير البلبلة لدى العامة، وتشغل المسؤول المؤتمن من قبل ولي الأمر فيصبح همه الأول وشغله الشاغل النفي للخبر والتأكيد على نقيضه، والأمثلة لا تحصى، حتى صرت للأسف الشديد تمسي على خبر وتصبح على نقيضه. ولذلك لنوطِّن أنفسنا على الحق، ولنتوثَّق مما يردنا من أخبار سواء كانت داخلية أو خارجية، حكومية أو شخصية، حتى نصير سداً منيعاً في وجه الرغائبيين أياً كان موطنهم ومستوى رغباتهم، مع أن على المتحدث الرسمي أن يكون متابعاً للساحة الإعلامية راصداً لكل ما يُكتب ويُقال، سريع التفاعل رداً وتفنيداً أو إيضاحاً وتأكيداً لما عساه أن يُشاع، ولتنشر العقوبات التي تنزل على هؤلاء التفكيكيين الساعين لخرق سفينة المجتمع.
لتكن المحاسبة للرغائبيين الناشرين للأراجيف التي قد يكون لها دور في زعزعة الصف المجتمعي المتراص وبلبلة الأذهان صارمة قوية، وفي ذات الوقت يجب أن نكون نحن على وعي بخطورة المرحلة التي يوظِّف فيها العدو الشائعات من أجل إلحاق الهزيمة النفسية في ضعف النفوس منا، وليكن لنا فيما نعرف من تبعات وآثار على وحدة جماعة الإسلام زمن الرسول عليه الصلاة والسلام إبان ما شاع من أراجيف وأكاذيب في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما حين حادثة الإفك التي لا تخفى درس وتذكار، دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.