د. علي بن صالح الخبتي
التغيير مطلوب في هذا العصر والتجريب مهم. ولا بد أن نعي أنه لا بد أن تكون هناك إشكالات في التغيير. هذا معروف ومتوقع، لكن المطلوب هو التعامل مع تلك المشكلات بفاعلية وبسرعة. هنا يأتي التغيير بثماره ويحقق أهدافه ويوصلنا إلى الهدف المنشود.
التغيير الذي نتحدث عنه هنا هو دمج وزارة التربية والتعليم بشقيها البنين والبنات مع وزارة التعليم العالي والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني في وزارة واحدة.. وقد تم ذلك بعد إلغاء بعض المجالس واللجان العليا مثل المجلس الاقتصادي الأعلى ومجلس التعليم العالي واللجنة العليا لسياسة التعليم وغيرها التي رأت القيادة أن استبدالها أو إلغاءها في هذه المرحلة يحقق المصلحة العامة بشكل أفضل.
لذا جاء دمج وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في هذا السياق.. وعلى ضوء ذلك فإن قراءة تبني دمج الوزارتين قد تكشف لنا للوهلة الأولى الرغبة الملحة في أن يتم الإشراف على الطلاب منذ دخولهم أول فصل دراسي في مراحل التعليم الأولي حتى تخرجهم من الجامعة، ومن يريد منهم الاستمرار في الدراسات العليا، أن يكون الإشراف عليهم وتوجيههم ورسم سياسات وتوجهات ومراحل وإستراتيجيات وطرق وأساليب ومناهج دراستهم؛ عن طريق جهة واحدة، أو قل وزارة واحدة بدلاً من أكثر من وزارة. هذا مفهوم ومبَرر.. وهذه مدرسة فكرية لها جوانبها الإيجابية ولها سلبياتها. ويرجع تحديد طغيان الإيجابيات على السلبيات أو العكس للجهة التي تتخذ هذا القرار أو تقرر تبني تلك المدرسة.
والواضح من تطبيق هذه المدرسة في المملكة بدمج وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في وزارة واحدة تسمى «وزارة التعليم»؛ أن متخذي هذا القرار قد رأوا أن دمج الوزارتين له إيجابيات ستتحقق أكثر من بقاء الوزارتين منفصلتين يقرر كل منهما سياساته ورؤاه وأهدافه بشكل منفصل دون تنسيق أو تكامل.
وبقراءة متأنية فاحصة وبعد خمس سنوات من التطبيق نسأل عن مدى نجاح هذه التجربة.. وحديثي هنا يعتمد على قراءة شخصية لا على معلومات.. وقراءتي مبنية على التصاقي بالتعليم العالي بحكم عملي في قطاع التعليم العالي والتصاقي بالتعليم العام بحكم وجود الأبناء في مدارسه، وعلى تراكم الخبرة الطويلة في مجال العمل فيه من معلم مرحلة ابتدائية إلى وكيل وزارة فيه.
وبنظرة موضوعية فاحصة أرى أن الكم الهائل من المسؤوليات والخطط والبرامج والسياسات والإستراتيجيات الخاصة بكل قطاع من قطاعات التعليم الأربعة العام بشقيه والعالي والفني تتطلب جهداً ووقتاً ووجهات منفصلة تتعامل بتؤدة مع تلك المسؤوليات الأمر الذي لا أرى أن جهة واحدة متمثلة في وزارة واحدة تستطيع التعامل مع كم المسؤوليات بالمستوى المطلوب خصوصاً في ظل تسارع العصر ومتطلباته واللحاق بالعالم والاستجابة المطلوبة وبالمستوى المطلوب لسوق العمل.. خصوصاً مع تباين الاتجاهات وتعددها لكل قطاع من هذه القطاعات.
القرار الذي اتخذته الدولة بفصل وزارة الصناعة والثروة المعدنية عن وزارة الطاقة كان بسبب العمل على تدارك الوضع الذي انقدح للدولة عدم جدواه لتباين السياسات والإستراتيجيات والأهداف مما قد يؤدي إلى البطء في الوصول للأهداف لكل قطاع من قطاعات تلك الوزارات.
والذي نرجوه هنا ونتمناه أن لا يتأخر اتخاذ القرار المناسب بوزارة التعليم بعد تقييم دقيق ونظرة فاحصة لما تم خلال سنوات الدمج التي مضت.. دمج وزارات التعليم تم في بداية عام 2015م أي مضى عليه أكثر من خمس سنوات.. والسؤال الكبير المطروح هنا: هل تجربة الدمج ناجحة؟.. إن لم تكن فإن الاستمرار فيها قد يعيق مسيرة التنمية خصوصاً أن التعليم معني بكل قطاعات التنمية في أيّ دولة.. صحيح أن هناك رؤية متمثلة في تبرير قرار الدمج لكننا بعد مضي خمس سنوات نرى أن هذه الرؤية ربما تغيرت بحكم الممارسة والنواتج والمخرجات التي تمت نتيجة الدمج.. إنني أرى بشكل واضح أن هناك عبئاً كبيراً يترتب على وزارة التعليم نتيجة الدمج؛ ربما أدى هذا العبء إلى بطء في المسيرة وتأخر في تحقق الأهداف وهذا بلا شك يؤدي بالتالي إلى بطء مسيرة التنمية بجميع نواحيها بسبب، كما قلت، ارتباط جميع مناحي التنمية بالتعليم.. إنني أخشى أن يكون هذا الدمج قد أدى اضطرار وزارة التعليم بسبب حجم العمل الكبير إلى تقسيم نفسها إلى إدارات ضعيفة لا تستطيع الوصول للأهداف بالمستوى الذي تطمح له هي وتطمح له الدولة.
وخلاصة القول.. فإن قرار فصل بعض الوزارات والمتمثل في فصل وزارة الطاقة عن وزارة الصناعة والثروة المعدنية بعد ما رُؤي عدم جدوى الدمج ربما يفتح الباب للتأمل في وضع الدمج في وزارات التعليم.. والمطلوب نظرة موضوعية فاحصة لتقييم تجربة الدمج خلال الخمس سنوات الماضية واتخاذ القرار الذي يحقق أهداف رؤية 2030 في الوقت المحدد لها. نسأل الله -العلي القدير- أن يوفّق كل جهد مخلص لخدمة ديننا ووطننا.