ميسون أبو بكر
أم بندر كانت الجارة التي بمنزلة أمي في صديان الغربي في حائل. إلى الآن لا أعرف اسمها الأول، لكن ما أذكره عنها أنها طيبة القلب، وكذلك قهوتها بالهال وحبات من التمر، كانت تساقط علينا في موسم التمر من نخلاتها في باحة الدار، وما عدا موسم التمر كنا نأكل ما تخزنه بطرق مختلفة.
لعل أشهر بقاع الأرض في إنتاج أنواع التمر المختلفة والفاخرة هي المملكة، وهي تحتل المركز الثاني عالميًّا. وشهر أغسطس هو شهر طباخ التمر كما يسميه طاعنو السن الذين كانوا يعتمدون على التمر مع حليب النياق والأنعام في بيئة صحراوية، عانى أهلها الكثير في السابق، وكان التمر والحليب يعتبران غذاء كاملاً، ومن يحصل عليهما يعد مترفًا آنذاك.
منتصف أغسطس إلى ما يزيد على شهر هو موسم التمور، ومهرجان حصاده الكبير في المملكة. والقصيم هي الرقعة الأغنى به؛ لذا قصدت عنيزة قبل أيام؛ أشارك في موسمها للتمور، بدعوة من القسم النسائي باللجنة السياحية، وبالتعاون مع الغرفة التجارية بعنيزة.
المدينة الغذائية بالنسبة لي كانت زيارة تفوق وصفها. تمنيت أن شاشات العالم تنقل هذا الحدث المهم؛ لأني أدرك جيدًا اهتمام الغرب بالمواصفات العالمية، وتقديرهم التمر كمنتج غذائي مهم. فمنذ دخول كميات التمور الهائلة إلى المدينة الغذائية يتم فحصها، والتثبت من خلوها من المبيدات الكيماوية التي تضر الاستهلاك البشري، والتأكد من مطابقتها للمواصفات، ثم تُنقل على العربات الذكية (الفكرة من موسم الورد ببولندا) التي تحمل كل منها (باركود)، وتسهِّل عرض التمور للتاجر الذي يستطيع بيُسر تفقُّد التمر. كما تنزلق العربة بسهولة نظرًا لميلان الأرض المتعمد. وتقوم المدينة الغذائية على مليون متر مربع مقسمة إلى ساحات للعرض، وأخرى للتصدير الداخلي والعالمي. ويبلغ عدد الدول المصدَّر لها 26 دولة.
موسم التمور بعنيزة يقيم منصات متنوعة لجهات تشارك على هامش الموسم، سواء لتوعية المزارعين، أو لعرض منتجات من التمر متنوعة، والتعريف بها، كما تفضل بالشرح م. أحمد العضيبي عضو الغرفة التجارية بعنيزة والمشرف على ساحة المدينة الغذائية.
المدينة الغذائية في عنيزة نقلة على مستوى المملكة.. وموسم التمور يهدف إلى توفير فرص عمل للشباب، وتسهيل تصديره، والتعريف به عالميًّا.
عنيزة التي زرتها للمرة الأولى قبل ثلاثة عشر عامًا تشهد اليوم انفتاحًا عظيمًا على رؤية المملكة، ومواكبة للتحول الذي تشهده دخلت المرأة عنصرًا رئيسًا في التنظيم لهذه الفعالية المهمة، ودعوة واستقبال الضيفات من خارج القصيم، التي أخذت موقع تنشيط السياحة في عنيزة من خلال زيارة عدد من المواقع السياحية والمراكز، إضافة لمشاركتها منذ زمن في كنز وتغليف التمر، وحرفة السف.
فاجأتني عنيزة التي نمت بتسارع كبير، وتفوقت بجدارة في عدد من المجالات. أذهلني المبنى الجديد لمركز الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، والنشاطات الرياضية المتاحة، والأقسام المتعددة، مثل المكتبة ومركز الإرشاد الأسري ونادي رفاق التطوعي للمتقاعدات ومركز الحرف والسدو، والكثير مما يشكِّل عالمًا نسائيًّا متفردًا. أسعدني مشاركة الجهات المتعددة في إنجاح الموسم، وفي تقديم عنيزة كمحافظة حضارية، تسابق عجلة الزمن للتطور.
تحية إلى أ. منيرة الخميري وفاطمة الحارثي ومعهما المتطوعات اللاتي حظينا بحضورهن وعنايتهن، ورئيسة مركز الأميرة نورة م. ندى النزهة وأ. فوزية السبيل والزميل الجميل خالد الروقي.