د.عبدالله بن موسى الطاير
هذا الموسم السنوي أصبح مثاليًا للاسترزاق وبيع الصحف ومتابعة القنوات، ومزادًا للدول التي تريد أذية المملكة وابتزازها، ودفع تكاليف القضايا التي يرفعها بعض أسر ضحايا 11 سبتمبر عليها. ليس هناك منطق في اتهام المملكة على مستوى المسؤولين بالتخطيط ولا حتى بإخفاء معلومات عن الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك فما زال البعض يرون أن السعوديين فعلوها.
بوب باير، ضابط ميداني سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، يصف مساعدة حزب الله للقاعدة في كتابه «لا أرى شرا» « See No Evil» بقوله: «في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م هل كان أسامة بن لادن يتصرّف بمفرده من خلال شبكة القاعدة التي أسسها؟ في هذا الشأن أنا لست فقط على يقين، بل أنا متأكد أن الإجابة بالنفي».
لقد مثّلت الفترة ما بين أغسطس - آب عام 1988 إلى سبتمبر - أيلول 2001 العصر الذهبي للقاعدة، فبعد عمليتي نيروبي، ودار السلام بدأت الولايات المتحدة تأخذ القاعدة مأخذ الجد إلا أنه غاب عنها الفهم الواضح للطبيعة الحقيقية للتهديد الذي كانت تمثّله القاعدة خاصة في ضوء العلاقة التي تربطها بطهران. صنَّاع القرار في واشنطن قد «تعاجزوا» عن تتبع سلسلة الأدلة التي خلّفها الحرس الثوري وراءه في التسعينيات طوال فترة علاقته بالقاعدة، فجاء رد فعل الولايات المتحدة على هجمات أبراج الخبر 1996م مائعاً، بل قامت إدارة كلينتون بالتواصل مباشرة مع النظام الإيراني لتطلب منه العون في التحقيقات التي كانت تجريها عن الهجمات الإرهابية على أبراج الخبر.
وحتى بعد صدور حكم الإدانة من هيئة المحلفين الكبرى في شأن هجمات شرق إفريقيا عام 1998 والذي خص بالذكر الحرس الثوري الإيراني، لم تتخذ أمريكا أية إجراءات جدية لتحميل إيران المسؤولية على ما اقترفته من أعمال إرهابية، لذا تمتع ابن لادن والقاعدة والحرس الثوري بقدر كبير من الحرية مما سمح لهم بتنفيذ ضربات إرهابية على مستوى العالم، يفعلون ذلك وهم على يقين بأنهم لن يُواجهوا بقرار رادع. محكمة أمريكية جزئية قضت بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والحرس الثوري، ووزارة الاستخبارات والأمن الوطني، وجمهورية السودان، ووزارة الداخلية السودانية - فرادى ومجتمعين - مسؤولون مسؤولية قانونية عن تفجيري سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في كينيا وتنزانيا؛ حيث ورد في الحكم ما يلي: «كانت المساعدة التي قدمتها إيران وحزب الله للقاعدة عنصراً حيوياً في تنفيذها لعمليات التفجير التي استهدفت السفارات في عام 1998»، كما خلص الحكم إلى أن الدعم المادي الذي قدمته إيران، والحرس الثوري، ووزارة المخابرات والأمن الوطني إلى القاعدة جاء من خلال رعاية طهران لحزب الله. وليس بين أحداث 1998 و2001م سوى عامين ونيف. شجع هذا التخاذل الدولي الشراكة الإيرانية القاعدية على المضي قدماً في التخطيط لأحداث 11 سبتمبر 2001م، حيث يشير ضابط المخابرات الإيرانية الهارب «مصباحي» إلى أنه اكتشف أن طهران اشترت جهازاً لمحاكاة الطائرة من طراز بوينج من شركة «فوكتاد» الصينية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيراني، حيث قامت الشركة بالحصول على الجهاز عن طريق شركة صناعة الطيران الصينية، ثم نُقل إلى إيران عن طريق شركة وهمية تعمل لحساب الحرس الثوري الإيراني تعرف باسم سفريان عام 2000 . أما برنامج الحاسب الآلي الخاص بالتدريب على محاكاة طائرة بوينج من طراز 757 و767 و777 فقد قامت وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيراني بشرائه من شركة خطوط شرق الصين الجوية. الطائرات الأربع المختطفة التي استخدمت في الهجمات الإرهابية كانت إما بوينج من طراز 757 أو 767 . ليس هذا فحسب، بل إن أحد الإرهابيين الرئيسين على الرحلة 77 التي ضربت البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي كان قد سكن في فندق سفيد بطهران، وهو أحد مخابئ الحرس الثوري الإيراني ووزارة الاستخبارات والأمن الوطني بحسب شهادة مصباحي التي أكدتها لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر 2001م.
التراخي الأمريكي الذي أعقب 11 سبتمبر، والتسلّط على المتضرّر من تلك الهجمات، شجَّع إيران أيضاً على استهداف المملكة بعمليات إرهابية يومية تنطلق من شمال اليمن ومن جهات أخرى سوف تتكشَّف قريباً، وما الهجوم على بقيق وخليص إلا خرزة في مسبحة الملالي الطويلة الواعدة بالمزيد من الحرائق في الشرق الأوسط.