عبدالعزيز السماري
وفقًا لوينستون تشرشل «المتعصب هو الشخص الذي لا يستطيع تغيير رأيه ولن يغير الموضوع»، وهي عبارة تنطبق على الوضع في الشرق العربي، الذي أضحى مسرحًا واسعًا لممارسة التعصب، ووصل إلى درجة الانعزال؛ فالمجتمع مقسَّم إلى فئات تكاد لا تسمع بعضها بعضًا؛ وهو ما يجعل من فلسفة الحوار مجرد ترف لا فائدة منه؛ لذلك يحتاج التغيير إلى فرض التسامح، وقبول الآخر بالقانون.
تجاوز العالم هذه العقبة من خلال فرض مبدأ المساواة تحت مظلة القانون، وتم تفعيل ذلك على الأرض. ومن خلال هذا المبدأ تغيرت المجتمعات بصورة بطيئة نوعًا، لكنها وصلت إلى شاطئ الأمان، لكن يظل شيء ما من التعصب، وهو حالة أقرب للإدمان، ويجد فيها بعض الناس حالة من الرضا الداخلي، قد تصل إلى حد الانتحار في بعض الحالات شديدة التطرف.
احتفالات عاشوراء السنوية مأساة لا يمكن اختزالها في احتفال عابر؛ فالمشهد تحت سيطرة المتعصبين، والمستقبل ينذر بحروب طائفية أكثر شمولاً، وفي ظل غياب الوعي أو فرض سلطة القانون لمنع هذه المظاهر سنحترق جميعًا في أوطاننا. والمصيبة أن الدول ترعى أو تغض النظر عن مظاهر التطرف كما هو الحال في إيران والعراق ولبنان؛ وهو ما يؤدي إلى زيادة مشاعر التشنج والكراهية، بينما لا تسمح دول الخليج العربي بإذكاء هذه المشاهد على الأرض أو في الإعلام، وتمنع الطوائف من إفراز كراهيتها على الآخر.
التأثير الخارجي من الدول المجاورة لا يتوقف، ويدعو إلى التحريض والكراهية والانتقام، وهو فكر خارج عن أي منظور عقلاني؛ فهم يريدون الانتقام من الماضي من خلال قتل المخالفين لهم في الدين، بحجة أنهم أحفاد يزيد. والأزمة الحالية من الكراهية والحرب الطائفية تتحملها الحكومات الإيرانية والعراقية واللبنانية؛ لأنهم يسمحون بارتفاع نبرة الصوت الطائفي، بينما الحال تغيرت بالفعل في دول الخليج، وأصبح الخطاب وطنيًّا وموحدًا؛ لذلك تقع المسؤولية كاملة على هذه الحكومات لمنع التأجيج الطائفي.
أيضًا غياب الدور الثقافي في الجانب الشيعي من نقد هذه الحالة الدموية إلا من القلة الذين يعبّرون عن آرائهم، وهم في حالة خوف من التصفية، لكن ذلك لا يعني التوقف عن كشف استغلال التاريخ ومآسيه لنقل الفوضى إلى دول الشرق العربي. وخطابي أعلاه لا يعني أن الطوائف الأخرى لا تعاني من أزمات، لكن النقد البنّاء جاء بنتائج في دول الغرب العربي؛ والدليل ما جرى في تونس والسودان والجزائر والمغرب؛ فالتأزم الطائفي والتطرف يكادان يكونان في أدني مستوياتهما.
كان من أخطاء ما يطلق عليه بالسلفية التقليدية مناهضة العلم، وفرض العزلة على أتباعها، الذي وصل في يوم ما إلى تحريم السفر، لكن التطور المدني في السياسة قاد إلى التغيير المتدرج، وسيأتي يوم يكون للحرية المسؤولة مقامها العالي في هذه المجتمعات.. لهذه الأسباب على المرجعيات الشيعية إحداث التغيير، وإخراج العوام من سكرة الكراهية والدموية؛ فالمشاهد تقشعر لها الأبدان، وتقع المسؤولية الكبرى على الحكومات من خلال سَن القوانين التي تمنع الطائفية في استعراض قواها السلبية في المشاهد السياسية، وفي الميادين. ولنا أن نتساءل عن دور المثقف في تحرير عقول العوام الشيعية من ثقافة الكراهية والدم، ولماذا يكتفي بنقد الظاهرة السلفية فقط؟