د. فوزية البكر
فُجع المجتمع المدرسي قبل أسبوعين بحادثة قتل طفل في أحد صفوف المراحل العليا الابتدائية تحت الخنق بيدي زميله وراقب المشهد مجموعة من الطلبة الذين لم يروا في ذلك غضاضة بحيث لم يحاولوا فك الصراع أو الركض إلى كبير حولهم أو صرخوا كجماعة مشتركة طلباً للنجدة بعد الإحساس بالخطر على حياة الطفل التي انتهت هكذا في لحظة غضب، ونستطيع أن نتفهم طيبة قلب الأب المكلوم وهو يصرِّح ويسامح الصبي القاتل بحكم العلاقة القديمة بينهم، بل وزيارتهم لكن يجب أن نفكر للحظة: لو كان القاتل يحب الطفل الضحية فعلاً ويعتبره صديقه فلماذا استخدم هذا العنف المفرط معه حتى قتله عن طريق الخنق لمدة تزيد عن ست دقائق؟ هو لم يقصد القتل وأكاد أجزم أن هؤلاء الأطفال وغيرهم من البيئات الفقيرة والمتوسطة تشهد في تعاملاتها اليومية وسط الشارع وبين الأصدقاء وبعضها ربما داخل البيوت أشكالاً متعدِّدة من العنف الممارس باسم التربية والتهذيب وهو ما يجعل تبني هذه الأنماط العنيفة مقبولاً وخصوصاً في عالم الذكور.
يعتبر العالم النرويجي (دان ألويز) (1993) رائد أبحاث التنمّر في المجال المدرسي وهو أول من عرف كلمة التنمّر والإيذاء بأنها تعرِّض بعض الطلاب إلى الإيذاء أو الاضطهاد بطريقة متكررة من قبل زملائهم وذلك أكثر من مرة.
ولعل أحد أهم الأسباب التي تستدعي دراسة ظاهرة التنمّر وكما أشارت الكثير من الدراسات الجامعية والتتبعية في أنحاء العالم آثارها النفسية والشخصية المدمرة على الطلاب.
إضافة إلى وقوع أحداث مأساوية قد تصل إلى انتحار بعض الأطفال والشباب الذين تمت ممارسة التنمّر عليهم على نطاق واسع في مدارس متعدِّدة عبر العالم وكانوا غير قادرين على التعامل مع ذلك كما حدث في النرويج واليابان وإنجلترا ففضّلوا الهروب من هذا العالم غير العادل عن طريق انتحار.
ويرى حسين (2010) (في وفاء العنزي، التنمّر في الصفوف العليا للمدرس الابتدائية للبنات) (رسالة ماجستير غير منشورة) (2014) إلى أن السبب في تجاهل التربويين والباحثين لظاهرة التنمّر هو اعتقادهم بأنها جزء من المشاغبة ومن المرحلة العمرية التي يمر بها الأطفال لذا لا تتخذ إدارات المدارس أية إجراءات للحد من الظاهرة لأنها ببساطة ترى أنها ليست مشكلة أصلاً، ولذا نجد الآباء والمعلمين في الغالب على عدم وعي بالمشكلة لأنها ببساطة لا تعد مشكلة أصلاً، إذ هي تصنف كشقاوة أطفال ويزيد الأمر سوءاً أن الأطفال الضحايا بدورهم ينكرون ولا يخبرون آباءهم بالتنمّر عليهم كما يخافون إخبار معلميهم حتى لا يظهروا بمظهر الضعيف ومن ثم لا توجد لدينا كما في كثير من مدارس العالم المتقدِّم إجراءات واضحة ورسمية يتم فيها تدريب المعلمين والطلاب وأعضاء الطاقم الإداري لمقاومة التنمّر داخل معظم مدارسنا خاصة النائية والفقيرة وهي كثيرة.
كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة التي بدأت تطلع على السطح بفعل وسائل التواصل الاجتماعي رغم أني أظن الخافي أعظم!
أول درس في رأيي يجب تعليمه الأطفال هو أهمية وحق التلميذ الإنسان الذي يجلس بجانبك لحفظ كرامته الإنسانية والجسدية والمادية وعدم تعريض أي من طاقم المدرسة أو طلابها لأي ممارسات لا تتفق مع (بروتوكول التعامل مع التنمّر في المدارس) والذي يجب أن يدرب عليه كافة المعلمين وإدارات المدارس؛ ويعني ذلك إجراءات مؤسسية واضحة وعلمية للحد من الظاهرة وهو نظام موجود ولا داعي لإعادة اختراع العجلة.
وفي استقصاء لبعض ما تفعله مدارس العالم المتمكنة وجد الباحثون أنها وضعت برامج عالمية للتنمّر تتضمن برامج توعية تهدف لتغيير القيم الاجتماعية وتكوين وتنمية مهارات الوساطة بين المتنازعين، مثل برامج حل النزاع وبرنامج الاعتماد على الشخصية وبرنامج التربية الشخصية والتعليم الانفعالي الاجتماعي، وبرنامج المتنمّر الضخم, وتقوم مراكز متخصصة لعقد المؤتمرات السنوية للطلاب في الابتدائية والمتوسطة والثانوية لتدريبهم على التعامل مع الظاهرة وفهمها, وتدريبهم على برنامج حل النزاع المضادة للتنمّر ومواجهة النزاع بصورة سليمة والهدف من هذا البرنامج هو تزويد الطلاب بمهارات التفاوض التي تسهلهم حل نزاعاتهم باستخدام أساليب تعاونية.
إننا اليوم بأمس الحاجة إلى مثل هذه الإجراءات المؤسسية التي سترفع أولاً من ثقافة رفض التنمّر وتدرب الطلاب والهيئة التدريسية على فهم نوازعها النفسية والاجتماعية وتضع الآليات الكافية لحماية الطفل وخصوصاً في الأماكن التي يمكن أن يحدث فيها ذلك مثل فترة الصباح وإلقاء تحية العلم أو الفسحة لكن أخطرها جميعاً وكما أثبتت الدراسات وأثبتتها هذه الحادثة المؤسفة هو: خارج أسوار المدرسة وفي لحظة خروج الطلبة إلى سياراتهم أو في الباص المدرسي.
ماذا علينا أن فعل؟ يكلِّف المعلمون بشكل دوري بالتأكد من سلامة الطلاب حتى يستقلوا سيارتهم وهذا عمل يقوم به عن طواعية معظم معلمي العالم المتقدِّم الذين يرون أن سلامة الأطفال هي أحد أولوياتهم القصوى أو استخدام الأسلوب السعودي وهي إحضار شركات تنظيم وأمن متخصصة بحماية الأطفال من بعضهم البعض تنظّم هذه الفوضى العشوائية التي تملأ الأحياء وتسد الشوارع كل صباح وظهر.