احمد حسن حكمي
علينا أن نعترف ونحن نتأمل واقعنا الاجتماعي اليوم، بأننا نعيش أزمة ثقافية وفكرية تظهر ملامحها جلية بين أوساط الشباب والشابات، برغم كل ما نعيشه ويعشه العالم من ثورة معلوماتية وانفجار معرفي.
فعندما نقيِّم حالنا المعرفي بكل حيادية ومصداقية، نجد أنفسنا أمام مرحلة من التسطيح الإعلامي المكتسب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي برغم اختلافها إلا أنها أسهمت في دعم التخلف المعرفي، وعدم القدرة على التمييز بين الغث والسمين أو بين صدق المعلومة من كذبها، وهذا هو الأهم في ظل غياب المصدر أو حتى البحث عنه.
من أهم وسائل التواصل الاجتماعي في وسطنا المحلي والخليجي هو «السناب شات»، وأره من الوسائل التي تعد مثالاً حقيقياً لتفشي سطحية الثقافة وضحالة التفكير لدى السواد الأعظم من مغرميه، ممن وصل إلى مرحلة الشهرة بعدد من المتابعين لا يقلون عنه سطحية وضحالة، دون رقيب أو حسيب يردع مثل هؤلاء وعبثهم الاجتماعي.
اللهث خلف إعادة «الريتويت» وعدد «اللايكات» من المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وزيادة الإعلانات، بمحتوى أقرب ما يكون إلى الهراء والتفاهة، غرست لدى الكثير من عامة المجتمع بأن هذا المحتوى هو الأجدر بالمتابعة، وبالتالي وصلنا -وبكل أسف- إلى مرحلة انعدام الذائقة الفكرية وتخدير النبوغ المعرفي.
إن تغييب الإعلام الحقيقي، سواء على مستوى الصحف الورقية أو التلفزيون، شكَّل تأثيراً قوياً انعكس على تصدر المشهد الإعلامي، من لا يستحق تمثيل هويتنا ومنظومتنا الأخلاقية. ولذلك لا بد من البحث عن «خط رجعة» يتم من خلاله اللحاق بما يمكن لحاقه بتكاتف جميع جهات الدولة وفاءً لمتطلبات المرحلة.
لا شك بأن وطننا يعيش نهضة تنموية ومعرفية متسارعة، وبالتالي فإن المجتمع يجب عليه أن يكون مواكباً لهذا التسارع، من خلال الانسلاخ من قيود «المهرجين» عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعملهم اليومي على تسطيحه معرفياً، إلى مرحلة مهمة تتمثل في توسيع دائرة اطلاعه بما يدور حولنا في العالم، من ثورات معرفية تتجدد بشكل لحظي وتسعى قيادتنا الحكيمة -حفظها الله- إلى دمج الشباب والشابات فيها حتى نصل إلى تحقيق ما تطمح إليه، ولعل مؤسسة محمد بن سلمان الخيرية «مسك» خير مثال على ذلك من خلال الأدوار المعرفية التي تقوم بها داخلياً وخارجياً من أجل مستقبل أجيالنا.
أخيرًا يجب أن يعي مجتمعنا بأن الإستراتيجية الوطنية لهذه البلاد تسعى إلى خلق مجتمع معرفي هدفه تحقيق رؤية 2030، وأن تصبح المملكة مجتمعاً معرفياً متنوع المصادر والإمكانات، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً من خلال انفتاحه على المفيد والنافع حول العالم، معتمداً على قدرات الأجيال المنتجة وليست الكسولة والمنغلقة على نفسها معرفياً، كل ذلك من أجل أن تتبوأ دولتنا مكانة مرموقة، ذات ريادة إقليمية ومحلية.