د. خيرية السقاف
الأفراد البعيدون عن «السياسة»، الذين ليسوا مختصين في علومها، ولا في «أرقام اقتصادها»، الذين لا يعرفون إلا ما يقرؤون، ولا يقفون على تفاصيل إلا ما يسمعون..
هؤلاء ليسوا مؤهلين معرفة، ولا خبرة، ولا علماً لأن يتحدثوا عمَّا ليس في اختصاصهم، ولا في معارفهم العميقة، لكنهم يعرفون لغة الانتماء، ومفهوم المشاعر، وجملة الوطن..
وكل أمر يرتبط به، يتماس مع وجدانهم، يبعث فيهم الحماس، يوقد فيهم الحميَّة لهذا الوطن..
فيصبحون السياسيين الذين يشجبون مواقف المنهزمين عن الحق خارج أسواره، والاقتصاديين الذين يرددون أرقاماً فوق كاهل قدراتهم الاستيعابية، وتجاربهم العملية، حين يكون وطنهم المُصدِّر لمنتجها، المنتج بخيرات آبارها، المستضيف لقاصدي استثماراتها، وقبلة الطامعين فيها، والحاقدين عليها..
المشهد شاهد حيوي، ناطق صادق، دليل وبرهان؛
«فبقيق»، و»هجرة خريص» على سبيل المثل حين قصدتها «كمائن» المعتدين، وألهبت معاملها
في انتهاك صارخ، فإن كل النفوس في الوطن خرجت من صدورها، وقفت على قدميها، أيقظت عقولها، حركت مفردات أبجديات معارفها، حصرت الأرقام، فهمت المرامي، تعرفت المقاصد، أبحرت في عظيم ما يفعله الوطن، حين يكون قوياً بساسته بأفكار مدبري أمره، بحنكة القرار السيادي فيه، بصلابة موقف من في قمته، ومن في سفحه معا..
ولا دهشة أن يتأهبوا بهذه الحميّة الزاخرة، بلغاتها المختلفة، وتعابيرها المتعدّدة..
فالأفراد الذين يعيشون في هذا الوطن دون أن يحملوا عبء المعمل كيف يضخ، والمنجم كيف يدر، والحائط كيف يُبنى، والمقبض كيف يؤَمَّن، والخزينة ما تُعمّر، والسلاح وحجمه، والعتاد وقوته، والتمكن وجذره، والراية ومنافها، والمظلة وسعتها، والبساط ومتانته،
جمعتهم كلمة واحدة هي: الوطن،
هنا، كل الوطن ساسة تلتف أجزاؤه بمئزر قوة، يعتضد أزره بسواعد قامة، تشتد صلابته بأكتاف جسد واحد..
فرب موقف صعب كهذا العدوان، هو محكٌ لقوة أصعب هي لحمة هذا الوطن..
هذه القوة الأصعب من أي عدوان، هي كيانه، هي أفراده، هي اتجاههم الواحد، وهي نبضهم الخافق..
هذه القوة لا ينفذ من بين سلاماتها غراب بين..