«الجزيرة» - محمد السنيد / تصوير - حسين الدوسري:
نظمت هيئة الصحفيين السعوديين يوم أمس الأول ندوة بعنوان: (اليوم الوطني: حضور المؤسس ومنهجية المأسسة) في مقر هيئة الصحفيين في الرياض، تحدث في البداية: الدكتور عبداللطيف الحميد عن كيف انتقل الوطن خلال تسعين عامًا عبر مراحل متعاقبة تم فيها التكوين والتوحيد والتثبيت والاستقرار نحو المأسسة، وقال: تاريخ المملكة العربية السعودية كيف تطور من قصة الرحلة التي انطلقت قبل 89 عامًا إِذ حدثنا تاريخ المملكة، أو قبل 120 عامًا إِذ قلنا استرداد الملك عبدالعزيز ورجاله للرياض، أو قبل ثلاثة قرون عندما بدأت الدولة السعودية الأولى، أو نقول 6 قرون 600 سنة عندما أنشئت إمارة الدرعية تحت إمارة آل سعود.
وأضاف الدكتور عبداللطيف الحميد يكاد يكون لدينا أيام وطنية متعددة وإن كنا نختار هذا الرقم 89 هذا اليوم الذي أعلن فيه توحيد المملكة العربية السعودية لعام 1351هـ الموافق 1932م.
مؤكدًا أن هذا التاريخ كان قبله 30 سنة، كان فيه مشروع الملك عبدالعزيز يقتصر على عملية الوحدة للوطن التي بدأت من الرياض العاصمة ثم ما حول الرياض ثم إقليم نجد ثم بعد ذلك الأقاليم الأخرى حيث أصبحت المملكة العربية السعودية.
وبين د. الحميد أن ثلاثين عامًا ليست يسيرة، كان فيها كفاح وعمليات اشترك فيها المواطن مع القيادة، ونقول دائمًا: (الملك عبدالعزيز ورجاله) الكل أسهم في هذه الوحدة، كما أن الثلاثين عامًا أعظم من المرحلة الأولى وهي مرحلة الوحدة والاستقرار والنهضة.
** وتحدث الدكتور محمد عبدالله التويجري رئيس قسم التاريخ بكلية الإدارة بجامعة الملك سعود قائلاً: إن مناسبة اليوم الوطني 89 مناسبة عزيزة علينا جميعًا وإذا ما عدنا إلى ملحمة توحيد البلاد ولاحظنا مدى التطور والوفاق في بلادنا نجد أن هناك تأسيسًا لنظام دولة أسسه الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن وسار أبناؤه من بعده على هذه الأسس والمرتكزات التي حكمت تعامل المملكة مع العالمين العربي والإسلامي والعالم الصديق.
وقال: لم يكن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- عفويًا تسيره الأحداث، بل كان إستراتيجيًا يوجه الأحداث، لقد أكسبته عشرات السنين من الكفاح، وتعدد القوى التي واجهها وتنوع الخصوم أمامه خبرة بالحكم والسياسة لم تجتمع لأحد من الحكام في وقته، التي بدورها أكسبته حنكة سياسية كبيرة، فجمع بين كفاية القائد في ميدان القتال، وحنكة السياسي وكياسته في مجال السلام، بعد أن أنهت العمليات العسكرية التي أدت إلى توحيد البلاد سياسيًا، بدأ الاهتمام الواسع من قبل الملك عبدالعزيز في بناء الجهاز الإداري للدولة وتنظيمه خاصة أن التنظيم الإداري كان يصور الأوضاع السياسية وكان لهذا التنظيم دور في دعم تماسك البلاد وتعميق وحدتها. من هذا المنطلق فقد شهد الاستكمال التكويني السياسي للدولة تبلور ملامح الإدارة المحلية السعودية من خلال عمل وضع التقسيمات الإدارية وتعيين السلطات المحلية ومعالجات الأزمات الداخلية والعقبات الخارجية.
وبين الدكتور محمد التويجري أن الملك عبدالعزيز نظم دولته الحديثة على أساس من التحديث والتطوير المعاصر، فوزع المسؤوليات في الدولة ولذا يعد نظام الأمراء الذي صدر في عام 1939م اللبنة الأولى في الإدارة المحلية للدولة السعودية بعد تأسيس نظام الحكم، حيث تم تسليم ولاية العهد ولأول مرة للملك سعود -رحمه الله- أي بعد سبع سنوات من توحيد الدولة كما تم تعيين الملك سعود نائبًا للملك عبدالعزيز في المنطقة الوسطى والشرقية، وتعيين الملك فيصل نائبًا للملك عبدالعزيز في الحجاز وبذلك وضع المؤسس الطريق الواضح لنظام الحكم الذي سارت عليه الدولة، بالرغم من أن نظام الحكم لم يكن مكتوبًا إلا بعد تولي الملك فهد الحكم بعشر سنوات، إلا أنه كان نظامًا منضبطًا ومتعارفًا عليه من قبل، اتخذت الوزارات الشكل المتعارف عليها بعد استرداد الحجاز وتم البدء في إنشاء ثلاث وزارات فقط تعنى بالخارجية والمالية والشؤون العسكرية، وهكذا شكلت وزارات السيادة التي بوجودها تتشكل الدولة ويعترف بها من بقية الدول ويكون لها كيانها واستقلاليتها، قبل تأسيس مجلس الوزراء، إضافة إلى وجود الهيئات أو اللجان أو المجالس التي تخدم الوطن ومصالح المواطنين إلى أن أصبحت وزارات قائمة بذاتها فيما بعد تشكل مجلس تنفيذي في الحجاز عام 1345هـ من رؤساء الدوائر الحكومية لمساعدة النائب العام في إنجاز مهماته الإدارية ثم تطور المجلس حتى انبثق منه عام 1350 مجلس الوكلاء وفي عام 1372 افتتاح أول مجلس للوزراء وفيما بعد عام 1372 صدر مرسوم ملكي بتعيين الأمير سعود بن عبدالعزيز رئيسًا له.
وقال رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة الملك سعود: إن من التحديات التي واجهها المؤسس بعد توحيد الدولة واستتباب الأمن فيها وإعادة تحديثها، وكيفية القضاء على الآفات الاجتماعية وهي الفقر، والمرض، والجهل، في دولة لا يوجد فيها أي مقومات تغري الحياة والعيش فيها آنذاك إلا أن كل هذه العثرات لم تحبط الملك عبدالعزيز في إكمال كل ما تحتاجه الدولة الوليدة.
من هنا كان تحقيق المنجز الحضاري لبناء الدولة والمجتمع وصياغة معطيات الحياة الكريمة والآمنة من العقبات التي واجهها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- عند مرحلة تأسيس هذا الكيان الكبير بأقاليمه تحت راية التوحيد والعدل والمساواة، ولم يكن ليتحقق إلا من خلال كفاح وجهد، حيث كرس المؤسس جل حياته من أجل تحقيقه، لقد كانت الغارة، والسلب، والنهب من وسائل العيش في الجزيرة العربية، ولم يكن الأمن متوافرًا في أرض الحرمين الشريفين لأهلها، ولا لحجاج بيت الله الحرام، وكان اختلال الأمن سمة من سمات العيش، وخطرًا من مخاطر أداء فريضة الحج مع ما رافق ذلك من تحديات متعددة كان المجتمع يعاني منها، إلى جانب غياب التنظيمات تساعد الناس على تحقيق معادلة اقتصادية مكتملة الجوانب، حتى أ، هذا المجتمع لم يكن يمارس عمليات البيع والشراء من خلال عملة نقدية تخصه، بل كان يعتمد على عملات نقدية لدول أخرى في الشرق والغرب، فلذلك كان من أهم الأعمال التي اهتم بها الملك في بداية حكمه في الحجاز تنظيم الشرطة بتكوين لجنة لهذا الغرض، وضعت قواعد لعمل الشرطة، وتنظيمها، ومحاسبة جنودها 1925م.
بالتالي فقد كان المجهود الذي قام به الملك عبدالعزيز جهدًا عظيمًا وقد برزت عظمة هذا الإنجاز من خلال اختصار الزمن ومواكبة المجتمعات المحيطة به تنمويًا، بل تفوق على معظمها مستثمرًا المكانة الجغرافية لهذا الكيان وأهميته الإستراتيجية وما تختزنه أرضه من ثروات طبيعية، إلى جانب وجود الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وهذا ما جعل المملكة تحتل أهمية بالغة لدى جميع الشعوب العربية والإسلامية، وفي هذا الجانب استطاع الملك عبدالعزيز أن يحقق تحديًا آخر ومهمًا لتلك الشعوب وهو توفير الأمن والأمان للحجاج والمعتمرين والزوار.
وأوضح أن من القيم المؤسسية الفعالية التي تبناها الملك عبدالعزيز، منهج الشورى، كأحد أهم الثوابت القيمية والمؤسسية التي يقوم عليها نظام الحكم في المنطق والأسلوب، لقد كانت الشورى هي الأصل الذي تمسك به الملك عبدالعزيز دون أن يبحث عن بديل، ولا شك أن فكر الملك لم يتجه - في أي قاعدة من قواعد الحكم في المملكة - إلى الاستمداد من غير الكتاب والسنة، أخذت الشورى في عهده عدة أشكال، بدايتها المجالس الأهلية والهيئات الاستشارية، والمستشارون لجلالته واللجان المتخصصة وأهل العلم والأعيان ورؤساء العشائر والقبائل، ثم تلا ذلك أول تنظيم رسمي لمجلس الشورى عام 1345هـ باسم المجلس الاستشاري الذي يتكون من أعضاء غير متفرغين ومع اتساع رقعة الدولة السعودية وزيادة الأعباء والمهمات، صدر الأمر الملكي الكريم رقم 37 في عام 1927م بتشكيل أول مجلس للشورى حيث افتتح الملك عبدالعزيز مجلس الشورى، وترأس الجلسة الأولى صبيحة يوم الأحد في 17 - 1 - 1346هـ وقال فيه: (علينا اتباع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله محمد تنفيذًا لأمره سبحانه وتعالى حيث قال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}، ثم قال: ولو لم يكن من مصالح الشورى إلا إقامة السنة وإزالة البدعة لفكت»، فقد وضع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الأسس الفلسفية والعلمية لهذه السنن الحميدة وتبعه أبناؤه الملوك من بعده على هذا المنوال.
** الدكتور نورة العجلان من جانبها أشارت إلى أننا باليوم الوطني نحتفل سنوياً لنتذكر ونذكر أبناءنا بالأمجاد التي حققت وطنا بسواعد الملك عبدالعزيز ورجالاته.. وقالت د. العجلان: في المملكة العربية السعودية خلد الرمز وخلدت المؤسسة في بناء متماسك شديد القوى.. وبينت أنه بحكم التخصص تقوم الجمعية الجغرافية بزيارات ميدانية داخل المملكة لنكشف بها آثاراً من أمس هذا الوطن.
** وتحدثت أستاذة التاريخ بجامعة الملك سعود الأستاذة فاطمة القحطاني عن تطلعات الغد لوطن عظيم في ظل قيادة حيوية وقالت: ولربط واقعنا بتاريخ المؤسس الملك عبدالعزيز نعرض مقارنة سريعة لتطلعات قيادتنا الرشيدة ورؤية الملك عبدالعزيز وتطلعاته لبناء كيان الدولة بعد الانتهاء من مرحلة التوحيد، وبتتبع أهم الجهود والتحديات التي واجهته، واستطاع تخطيها لتحقيق تطلعات البلاد.. نجد أنها تلتقي مع كثير من توجهات قيادتنا الحكيمة الآن وذلك من خلال خطط الرؤية التي نعيشها اليوم ومستقبلها على المدى القريب والبعيد، فهناك نقاط التقاء كثيرة بين قيادة الملك عبدالعزيز وقيادتنا الحالية في حكم خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- وتوجيهاته السامية وتحت رعاية مباركة من سمو الأمير محمد بن سلمان.. ولعل أولى نقاط الالتقاء تتمثل في صفة القيادة الحيوية فالملك عبدالعزيز سخر شبابه وحيويته لتوحيد بلاده وبنائها مع استعانته بتوجيهات والده الإمام عبدالرحمن ونصائحه، وكذلك في قيادتنا الآن امتزجت الخبرة بالشباب وامتزجت الحكمة بالحيوية لتشكل قيادة فريدة من نوعها تحمل معها التاريخ والحكمة في شخص الملك سلمان والشباب والطموح في شخص ولي عهده الأمين.
واجهت الملك عبدالعزيز العديد من التحديات.. كان تحقيق الأمن والوحدة هو التحدي الحقيق الأكبر لضمان استقرار البلاد، ثم دخل الملك عبدالعزيز في مرحلة تحديات البناء وتدعيم الكيان، فعمل على الانتقال بالناس من حياة البداوة، وقد نجح بالفعل في تحويل المجتمع نحو الحضارة والتمدن بنشر العلم والمعرفة والقيام بحركة إصلاح شاملة بدءاً من مشروع توطين البادية مروراً بالإصلاح الإداري لمؤسسات الدولة وتطويرها، ثم تنامي خطط التنمية والبحث عن موارد اقتصادية جديدة، فكان اكتشاف البترول حيث سارت عجلة التطور والبناء بشكل أسرع ساهم في نقلة نوعية للمملكة العربية السعودية في كافة المجالات، وهذا يتوافق مع السياسة الحالية للدولة في البحث حركة الإصلاح التي تبناها الملك سلمان وولي عهده ومحاربة الفساد والإصلاح المالي في الدولة لتحقيق خطط الرؤية في البحث عن موارد جديدة للدخل بعيداً عن العائدات النفطية وخاصة في مجال الطاقة والسياحة والاستثمارات العقارية.
كما سعى الملك عبدالعزيز لبناء دولة عصرية مع الاحتفاظ بالهوية الإسلامية والعربية فأدخل المخترعات الحديثة مثل اللاسلكي والهاتف والسيارات والطائرات وقاد البلاد لنهضة شاملة وهذا يتوافق مع ما تتطلع إليه الدولة من خلال الاستفادة من التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم اليوم في مجالات الاتصالات والصناعات والخدمات.
وقد كان هذا الأمر يتطلب مواجهة للتيار المتشدد والمتطرف الذي كان من شأنه عرقلة مسيرة التنمية والتطوير في البلاد وهذا الأمر أيضاً واجهه الملك عبدالعزيز مع غلاة الإخوان الذين حاربوا سياسة الملك عبدالعزيز في الانفتاح على العالم والاستفادة من التقدم والتطور التكنولوجي.
كما التقت سياسة فتح الباب والحوار الوطني الذي تعيشه البلاد الآن مع سياسة الملك عبدالعزيز الذي اعتمد هذا النهج في سياسته الداخلية، ولعل الجمعيات العمومية والمؤتمرات الوطنية التي كان يعقدها الملك عبدالعزيز للالتقاء مع جميع أطياف الشعب للتواصل معهم أدل مثال على ذلك.
أما ما يخص تمكين المرأة فقد بدأ الملك عبدالعزيز وأبناؤه من بعده سياسة تدريجية في تقدم المرأة السعودية وإن كانت بطيئة نوعاً ما مقارنة بالنقلة الكبرى في عهد الملك سلمان الذي شهد تطورات سريعة وواثقة في سبيل تمكين المرأة وقد كان الدور السابق يتمثل في وضع اللبنات الأولى لإعداد المرأة في السعودية وذلك من خلال فرض تعليم البنات وتوظيف المرأة في عدة مجالات مناسبة مع السمات الاجتماعية والدينية لتلك الفترة.
وفيما يخص تدعيم دور المملكة ورفعة مكانتها عربياً وإسلامياً، فقد سعى الملك عبدالعزيز وأبناؤه في هذا السبيل إلى تقديم البلاد لتكون الشقيق الأكبر للبلاد العريبة ولتكون قائدة العالم الإسلامي من خلال دورها القيادي في جامعة الدول العربية ورابطة العالم الإسلامي وتبنيها لقضايا الأمة الإسلامية.. وما مسيرة الملك سلمان وولي عهده اليوم إلا امتداد لهذه السياسة المباركة فساهما في زيادة رفعة المملكة عالميا لتكون في مصاف دول العالم المتقدمة.
ختاماً: نحمد الله سبحانه وتعالى على مرور هذه الذكرى الغالية ونحن نتمتع بالأمن والأمان، ووطننا في مزيد من التطور والرخاء في ظل قيادتنا الرشيدة سيدي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.
مداخلات وتكريم
بعد ذلك طرح أ. د.عبدالله الوشمي مدير الندوة الفرصة للحضور لطرح الأسئلة وتمكينهم من المداخلات «المؤسس ومنهجية المأسسة».
وفي نهاية الندوة قام الأستاذ خالد بن حمد المالك رئيس هيئة الصحفيين السعوديين بتكريم المشاركين في الندوة.. وهم: الدكتور عبدالله الوشمي مدير الندوة والدكتور عبداللطيف الحميد والدكتور محمد التويجري والدكتورة نورة العجلان والأستاذة فاطمة القحطاني.. ثم التقطت الصور التذكارية للمتحدثين.