هالة الناصر
لا تجد عربياً، إلا نادراً، وهو يحدثك عن السياسة وكأنه خبير بها، وسابر أغوارها، وصاحب الحقيقة المطلقة فيها، فكل منهم يحلل ويضع الخطط ويفتي في الصواب والخطأ السياسي وكأنه تبوأ منصب وزير خارجية، على أقل تقدير. السواد الأعظم من العرب، تجدهم ساسة عندما تفتح ملف الحديث السياسي، ورياضيون بدرجة خبراء إذا بدأت بالحديث عن كرة القدم، وفنانون لهم باع في النوتة الموسيقية حال اتجهت بوصلة النقاش ناحية الفن، ولكن بدرجة أكبر نجدهم يتناولون السياسة كـ»جرعة ماء»، ويعتبرون أنفسهم أوصياء حتى على أهلها، لا تمر بمجلس إلا والنقاش فيه يدور حول سياسة بلد ما، بينما شعوب الغرب المتطورة، والمتقدمة في كل المجالات، من بينها السياسي، لا تجدهم يهتمون بالنقاشات السياسية، ويفضلون ممارستها على أرض الواقع في سلوكهم وأفعالهم تجاه أفراد الشعوب الأخرى التي تقاسمهم بلدانهم، وإذا نظرت للغربيين يتضح لك جلياً أنهم يفضلون الاهتمام بالسياسة فقط عندما يحين دورهم الانتخابي، فهم يحدثون صناديق الاقتراع فقط، بينما العرب يتناقشون حتى «تنفجر شرايينهم» وربما تطور الأمر إلى عراك، وإن كان البعض لا يفقه في السياسة، لكنه يصر على مناقشة مواضيعها المختلفة ولا يلقي بالاً لتقاطعاتها، ولا يعرف دهاليزها، وحتى من يملك الدراية بها فلا يمكن أن يصبح يومه ويمسي وهو يدور في حلقة نقاش سياسية، وكأنه مخول به حل مشكلات العالم بالحديث المتواصل، ليس عيباً أن نخصص بعض وقتنا لمناقشة مواضيع سياسية، لكن ليس بالدرجة التي نراها الآن، وممن يفقه ولا يفقه، وفي كل الأوقات، ونحتاج فعلياً لأن نكون بمستوى وعي مواطني الغرب، إذ يخصص الشخص وقته للعمل في مجاله، وتطوير إمكاناته، بدلاً من تضييع الوقت فيما لا طائل منه، فزمنه محسوب بالدقيقة والثانية، يراجع نفسه حال أخفق في عمله ويعرف مواطن الخلل ويعالجها في أوقات فراغه، وبالمقابل نحن نملأ أوقات فراغنا بالمغالطات السياسية أو الرياضية التي لا تسمن ولا تغني عن جوع، وربما تفرق بين الأخوين إن احتد النقاش.