د.عبد الرحمن الحبيب
«لدينا جبل، دائماً أضرب به المثل اسمه جبل طويق، لدى السعوديين همة مثل هذا الجبل، همة السعوديين لن تنكسر إلا إذا انهد هذا الجبل وتساوى بالأرض». هذه العبارة المشهورة والملهمة لسمو ولي العهد محمد بن سلمان يثبتها وطن الشموخ بكل جدارة.. فها نحن نرى مهما اعترضت بلادنا من صعوبات أو هجمات من الأعداء، فهي في كل مرة تواجهها لتكون أكثر قوة ومنعة..
آخرها الهجمات العدوانية الغادرة على بقيق وخريص الذي قام بها (مباشرة أو غير مباشرة) النظام الإيراني المتهالك من الداخل والباحث عن طوق نجاة من الحصار الذي يعانيه، بتصدير أزمته الخانقة للخارج.. فقد تمت السيطرة على الحرائق خلال ساعات، وعاد إنتاج النفط السعودي، بكل جدارة، طبيعياً في غضون أيام، بل وتحسن سعر النفط.. وظلت أرامكو الشركة الأكثر موثوقية في العالم، فضلاً عن أن المملكة أعلنت أنها ستقوم بالرد المناسب بعد الانتهاء من كل التحقيقات لتحديد جهة انطلاق الاعتداء ومحاسبة من قام به..
هذا الرد السعودي الواثق الذي لا يبحث عن تصعيد، يذكرنا بمستوى الرد الهادئ والواثق نفسه قبل أشهر، تجاه اقتراح المفوضية الأوروبية الغريب والمتعسف بإدراج السعودية بقائمة مالية سوداء بزعم أنها لا تبذل جهوداً كافية لمكافحة غسل الأموال. فهذا الاقتراح كانت نتيجته عكسية على المفوضية، إذ أبرزت مكانة المملكة العالية حين رفضت دول الاتحاد الأوروبي بالإجماع هذا المقترح؛ وجاء بمنزلة تذكير للعالم بالأهمية العظيمة للمملكة وترسيخ لمكانتها العالمية. وكان هذا الإجماع «صفعة للمفوضية الأوروبية» على حد تعبير وكالة فرانس برس.
هذا الإجماع الأوربي أتى طبيعياً لأن مقترح المفوضية كان صادماً للجميع، فهو يتنافى تماماً مع الواقع، فأيّ ملاحظ عابر للسياسة الدولية يدرك بوضوح مدى التزام المملكة بمكافحة الإرهاب وعمليات غسل الأموال، فالمملكة حليف رئيس أو مؤسس في كل التحالفات الدولية لتلك المكافحة، ويعد ذلك من الأولويات الإستراتيجية للمملكة ومصالحها العليا.
المملكة في الوقت الراهن، في خضم رؤيتها 2030 التي كما أوضح مهندسها سمو ولي العهد ترتكز على ثلاثة عوامل قوة أساسية للمملكة، هي: العمق العربي الإسلامي بوجود الحرمين الشريفين، توفر موارد استثمارية ضخمة، الموقع الجغرافي الإستراتيجي.. موضحاً أن هذا العمل الجبار لن يمر دون تحديات، أو كما قال: «نفهم حجم التحديات.. الحلم مسألة سهلة، لكن تحقيقه ليس بالأمر السهل». هذه الرؤية الآن تشكل تحولاً نوعياً ضخماً على الصعيد الاقتصادي ومن ثم على الأصعدة الأخرى كافة. ففي هذه السنة، تقدمت المملكة للمرتبة السادسة عالمياً بالخدمات اللوجستية والخامسة بأساسيات مزاولة الأعمال وفق مؤشر «أجيليتي» اللوجستي للأسواق الناشئة 2019 .
تقدم المملكة بمؤشر «أجيليتي» يؤكد التحسن الملحوظ في بيئة الأعمال فيها باعتباره نقطة ارتكاز أساسية بقدرتها على تحويل اقتصادها بما يتماشى مع رؤية 2030 التي تهدف لوضع السعودية كمركز استثماري ولوجستي قوي يربط بين ثلاث قارات، ويحقق التنوع الاقتصادي بزيادة الإيرادات غير النفطية. هذا المؤشر هو مقياس واسع النطاق يقيِّم القدرة التنافسية لخمسين سوقاً ناشئة حسب قوة الخدمات اللوجستية وأساسيات مزاولة الأعمال؛ حيث كان الترتيب العام: الصين، الهند، الإمارات، إندونيسيا، ماليزيا، السعودية.
وإذا كان هذا المؤشر هو من جهة عالمية محايدة، وقبله شهدنا موقف أهم الدول الاقتصادية بالعالم على مكانة المملكة، فإنه حتى الدراسات الأكاديمية المحايدة مثل دراسة من جامعة بنسلفانيا الأمريكية بالتعاون مع مجلة «يو إس نيوز وورلد» الأمريكية التي نشرت تقريراً بقائمة أقوى دول العالم وأكثرها نفوذاً لعام 2019، احتلت السعودية المرتبة الأولى عربياً، والتاسعة عالمياً. وكان عنوان التقرير: «السعودية عملاق الشرق الأوسط»؛ ذاكراً أن السعودية بين أقوى عشر دول بالعالم.
اعتمد التقرير بتقييم قوة الدول على حجم اقتصادها، وتأثيرها السياسي على المستوى العالمي، إضافة إلى قدرتها العسكرية. وتقول المجلة أن التصنيف يشمل أيضاً مستوى ثقة العالم بكل دولة، الذي ينعكس على مصداقيتها في الوفاء بالتزاماتها الدولية. واحتلت الولايات المتحدة الصدارة بالقائمة تلتها روسيا ثم الصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا واليابان وإسرائيل والسعودية وكوريا الجنوبية.
وذكرت الدراسة خمس أسباب استندت فيها على اختيار السعودية في هذه المرتبة المتقدمة ذاكرة عدداً من العوامل التي تتمثل بالتعامل مع الأزمات والتفوق العسكري والتأثير السياسي الكبير والسرعة في تشكيل وتقوية التحالفات الدولية بالإضافة إلى القدرات الاقتصادية الضخمة التي تتمتع بها المملكة. ويقول التقرير إن السعودية تمتلك مساحة هائلة من الأرض تتركز ثروات شبه الجزيرة العربية داخل نطاق حدودها الجغرافية. ويضاف إلى ذلك أن تلك الدولة يقصدها سنوياً ملايين المسلمين للحرمين الشريفين.
جبل طويق الذي ضرب به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المثل في الصمود والقوة يشبه في شكله القوس أو الطوق، ممتدًا على منطقة واسعة لما يقارب 800 كيلومتر، من نفود الثويرات بالزلفي شمال نجد إلى مشارف وادي الدواسر والربع الخالي جنوباً، وتنقطع أطرافه بالجهة الغربية، أما بالشرقية فيكون الانقطاع تدريجياً. هذا الجبل ظل شامخاً لدهور سحيقة وسيبقى طودًا شامخًا إلى ما شاء الله، ومثله ستبقى مملكتنا الحبيبة بحفظ الله ورعايته ثم بحكمة قيادتها وجدارة شعبها..