د. حسن بن فهد الهويمل
لمَّا أزل مشدوداً بأمراس كتان إلى صم القضايا المصيرية لأمتنا: العربية, والإسلامية, في جزرها, ومدها, وحركاتها, وسكناتها. يسوؤني ما ينتابها من انكسارات متوالية, وهزائم مؤلمة.
هذه القضايا الأكثر تعقيداً, وانبهاماً. لأنها تدار بأيدي الأمة, وتوجه من خارجها. تتضخّم, وتتضاعف, وتخالف كل التوقعات. وتشغل تفكير العقلاء, وتذهل كل متابع عن نفسه, وعن أعز الناس إليه.
الراصد الأمين, المجرب يرتفع رصيد الإحباط, واليأس, والقنوط عنده. لأن الأحداث تخالف التوقعات.
فالأمة تتخبط بتصرفاتها, وقراراتها. لا تدري من أين يأتيها الشر.
- أهو من إنسانها المحتقن؟
- أم من اللعب الغامضة؟
المؤكد أن هناك (خرائط طريق) جَوَّد الأعداء صنعها, وتنفيذها على أرض الواقع, وعلى أيدي من صنعت ضده. تمثّل التشتيت: الفكري, والديني, والإقليمي.
هناك في مشرقنا العربي مَدَّان خطيران, مسنودان:
- المَدُّ الصهيوني العالمي.
- المَدُّ الصفوي الطائفي, العنصري.
يسندهما الحقد (الصليبي).
لقد ذاق الثلاثة (الصفصهيوصليبي) الأمرَّين من (أهل السنة, والجماعة) الذين أنْهوا (الصفوية), وشردوا (الصهيونية), وهزموا (الصليبية).
وحين دالت الدول, بقانون (التداول), و(التدافع) أفرغ الثلاثة حقدهم على أرض الأمة العربية الإسلامية (الشرق الأوسط) مسرح الرسل, ومنطلق المجاهدين, ومنبت اللغة.
فـ(حملة نابليون) لم تأتِ اعتباطاً, وآثارها: الثقافية, والفكرية, والسلوكية لما تزل قائمة على أشدها.
الحرب على مشرقنا متعدِّد الجبهات, متنوِّع الاهتمامات, والأعداء يتبادلون المواقع, والمهمات.
هناك غزو: ثقافي, وفكري, وسلوكي. يموله إعلام قوي, وتحمي ساقته قوى متعددة.
(الغرب) يمارس تمزيق الممزق, وتشتيت المشتت. كان (تصهينه) من وراء حجاب, أما اليوم فمكشوف, بل معلن, وتعهدات الغرب بدعمه تُقال بصريح العبارة.
والأمة المتشرذمة المنهكة لا حول لها, ولا قوة. إن لم توافق, فهي لا تستطيع المقاومة.
من نظر إلى الواقع يئس, وأُحبط, ومن فوّض أمره إلى مدبر الكون, وهيأ نفسه للنصر: إيماناً, وقولاً, وعملاً, وترقب نصر الله, صغرت في عينه كل الويلات, والمصائب, وكل القوى.
واجب الأمة معايشة الواقع, وعدم التسليم له, أو الاعتراف به. إنه عارض زائل, لا محالة.
فالغرب لا تحكمه إنسانية, ولا يحميه عدل, ولا تسوده رحمة. {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد}.
ومؤسساته, وهيئآته, ومجالسه الدولية أنشِئَت لحماية مصالحه, تتحرك حين تؤمر, وتصمت حين يكون الحق للمستضعفين.
هذا الوضع المخالف للفطرة الإنسانية السليمة, لا يمكن استمراره. إنه مواجهة لطبيعة الحياة السوية, التي أراد الله لها أن تسود {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين}.
الله ينصر (الدولة الكافرة), إذا كانت عادلة, مُصْلحة لأوضاع الإنسانية, ويخذل (الدولة المسلمة) الظالمة. (العدل أساس الملك).
الذين يخالفون قانون الحياة السوية, يهيئون أنفسهم للعذاب الشديد. {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}.
أقام الله هذا الكون على: العدل. والرحمة. والتعايش. والعمارة. والإصلاح. والصلاح. ومن خالف ذلك فهو مُعَرَّض لعقاب الله.
دول الاستكبار تمارس أبشع صور الظلم, تحرِّض على القتل, والتدمير, تمد الجهلة بالسلاح, وتدفع بهم إلى أتون الفتن, وليس لها صديق, ولا مبدأ. المصالح وحدها هي التي تتحكَّم بالمشاهد كلها. وهي مصالح دنيئة, لا تستحق أن تراق الدماء من أجلها {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.