د. محمد عبدالله الخازم
تعليم الطب في السعودية لم يعد مواكباً للتطورات العالمية في الإبداع والاختراع، وإنما هو يكتفي بتخريج ممارسين (Practitioners)، بلا شك للمتميز منهم تقديره وهم كثر بحمد الله. أطباؤنا يتم إعادة تحضيرهم فترات إضافية ليتمكنوا من الالتحاق ببرامج تدريب متقدمة، ونجدهم يسيرون بشكل مقبول في الممارسة السريرية، لكن دون الوصول إلى مرحلة الإبداع والاختراع (Innovation). والسبب الرئيس في ذلك هو ضعف تعليم العلوم الأساسية لديهم. اختراعات الطب والتقنيات الطبية والدواء تعتمد على العلوم الأساسية السابقة للمحاولات الأكلينيكية. تطوير علوم الجينات أو الخلايا أو المفاصل أو الربوتوتات وغيرها من الاختراعات ليس مجرد طب كما نُعلمه. مناهج الطب السعودية فقيرة في هذا الشأن، ولابد من فصل تعليم العلوم عن تعليم الطب، فلا يدخل الطب سوى من اجتاز كلية العلوم بنجاح واجتاز الاختبارات المعيارية في هذا المجال.
الضعف الثاني في المناهج يتمثل في تواضع استيعاب المريض في الجوانب النفسية والسلوكية والاجتماعية، والأمر كذلك بسبب نقص المواد المتعلقة بهذا الأمر في كليات الطب السعودية، حيث بعض كليات الطب تخرج طبيباً لم يحصل على أكثر من مادة في الجانب السلوكي والنفسي والاجتماعي، ولا يمكن إضافة أكثر من ذلك بسبب زحمة مناهج الطب. لم أجد طبيباً مبتعثاً يتعثر بسبب معلوماته الطبية، ولكن بسبب ضعفه في العلوم الأساسية أو في المهارات التواصلية. المهارات الناعمة والسلوكيات المفترضة أمر مهم جدًا؛ عندما أجد استشارياً عنصرياً أو لا يجيد التعامل مع فريق العمل والموظفين أو لا يتقبل الآخر أو لا يحترم النظام حينما تتاح له الفرصة، ويغش في البحث العلمي فإنني أخشى على المرضى منه. وأحد الأسباب -كما أرى- هو دخول الطب لطلاب صغار السن بعد الثانوية واختيارهم للطب وفق معايير الدرجات فقط، ودون نضج كافٍ بحجم مسؤولياتهم ووعي بمهاراتهم وميولهم ورغباتهم. طبعًا ليس هناك دراسات موضوعية حول تسرب الطلاب وتأخرهم في كليات الطب السعودية أوحتى الذين يهربون من مهنهم لأعمال إدارية وتجارية وغيرها، لكنها ظواهر ملحوظة. تواضع آلية الاختيار لدخول كليات الطب والمدخلات لدراسة المهنة أحد أسباب ذلك.
في الولايات المتحدة وكندا وهما الرائدتان ويفاخر الطبيب السعودي بحمل شهادتهما، الطب يأتي مرحلة منفصلة بعد العلوم (3-4 سنوات تلي البكالوريس) ولابد من معدلات عالية لدخوله والحصول على درجة متقدمة في الاختبارات المعيارية (إمكات) واجتيار المقابلات، إلخ. بل إن كليات كندا بدأت إضافة اختبار آخر (كاسبار) يفحص سلوكيات وردود فعل المتقدم الثقافية والاجتماعية والفكرية كتلك المتعلقة بقبول الآخر وقبول التنوع والقدرة على العمل في فريق وغيرها. علينا تطبيق كامل النموذج وليس نصفه، كما يحدث الآن بتطبيقه بعضه في الدراسات العليا وليس البكالوريس!
بعد المقدمات ومن واقع خبرة أكرر المطالبة بتغيير نمط تدريس الطب بحيث يفصل التعليم الأساسي عن تعليم الطب وأن تصبح دراسة الطب مرحلة لاحقة لدراسة العلوم، أسوة بنماذج عالمية متقدمة. طبعاً الفكرة تنطبق على التخصصات الأخرى؛ الأسنان والصيدلة والعلوم الطبية؛ لتكون دراسة المهنة الطبية والصحية مستقلة عن دراسة العلوم.