د. محمد عبدالله العوين
معيب جد أن يساء فهم الحرية، ومعيب أيضاً بصورة أكثر فداحة ألا يستوعب معنى الحقوق الشخصية.
وهنا يحدث خلط كبير جداً بين طموحك أن تستمع بالحرية كما تراها وبين قاطع يقف بك في أول الطريق للحرية أو في منتصفه أو ربما قرب نهايته - حسب فهمك ووعيك - وبين الحقوق التي الشخصية التي هي منحة ربانية وفق قيم وقواعد الشريعة الإسلامية والديانات السابقة والقيم الإنسانية العليا.
ومع طفرة أدوات التواصل وتحول العالم إلى رقمي وقرية كونية وتدفق المعلومات والمعارف وتداخل الثقافات وهيمنة القوي الذي يفرض سلطته المعنوية قبل المادية على الشعوب المستهلكة يستقبل المتهالكون والسطحيون والهشون والمعدمون من التأسيس الفكري والعلمي والأخلاقي السليم والقوي تدفق المعلومات والمعارف من الحضارات الأخرى الغالبة بترحيب مطلق واستقبال مفتوح وتلويح بالأيدي وبالأرجل أحياناً في حالة عجيبة من ضياع الذهن واضمحلال الهوية وفقدان التوازن وشتات التفكير والسقوط في الهوس بالمتغلب والاستسلام الأرعن للقوي والانبطاح الغبي لمن يملك السيادة على العالم بمنجزاته العلمية وقوته العسكرية وسلطته الاقتصادية.
تتجلَّى لنا صور مريعة من هذا الانحدار الأخلاقي والتفلت من مركبات الذات والتنكر للأهل والوطن والقيم والتاريخ والتراث في شخصيات واقعية لا رقمية مجهولة في الشبكة العنكبوتية؛ فما يصور ويكتب في النت قد يكون بعضه منتحلاً أو مدعىً أو مزيفاً أو مدفوعاً ثمنه أو من جهات أخرى معادية تستخدم من ذكرتهم من (الحقيقيين) غير الوهميين الذين تاهوا وضاعوا وفقدوا ذواتهم وأصبحوا ريشاً متناثراً في مهب الرياح تلعب بهم أنى هبت وشاءت.
هؤلاء الحقيقيون يعيشون بيننا، ننكرهم أو ننكر ما يعتقدون؛ لكن كثيرين منا قد لا يجد من القوة والصبر والقدرة على الاحتمال ما يسعفه على مواصلة الجدل والدفاع عن النفس أمام موجات عنيفة كاسحة من رياح الاقتلاع والتشتيت الفكري والأخلاقي.
هل كان يدور في خلدنا أن تعلن إحدى بناتنا من (الهاربات) المستقطبات تفسخها وتأييدها للشذوذ الجنسي، أو ما يُعرف بـ «المثلية»؟
هل كنا نتوقّع يوماً أن تتمرد امرأة على القيم والأخلاق التي تحض على الحشمة والطهر فلا تحتمل هذه القيم وترى أنها قيود تحجزها عن (الاستمتاع) بحريتها - كما تزعم - فتخلع لباسها وتعلن صراحة أنها تقيم علاقات محرَّمة مع من تشاء وتمعن في التحدي فتجاهر بتدخين الحشيشة وشرب الخمور.
هل كنا نتوقّع يوماً أن يعلن أحد أبنائنا تنصّره أو إلحاده أو تفسّخه أو شتيمته لأهله ومجتمعه؟
ليس معنى هذه الأمثلة السريعة أن شيئاً من الانحرافات لم يكن موجوداً من قبل، فلسنا مجتمعاً ملائكياً، والملحدون موجودون والرسالة السماوية تنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومثلهم المرتدون والمنافقون، والمنحرفون موجودون في كل العصور؛ لكن الملفت بروز وجرأة الشاذ أو الشاذة والمجدف والمنحل، ووجود الوسائل المساعدة والدول الداعمة والهزيمة النفسية أمام الحضارات الغالبة.