عماد المديفر
منذ شهر مايو من هذا العام، موعد انتهاء المهلة المؤقتة التي منحها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لعدد من الدول المعتمدة بشكل كبير على نفط إيران؛ والتزام غالب تلك الدول بعدم الشراء من النظام الإرهابي في طهران بعد انقضاء تلك المهلة، فيما خفضت الأخرى نسبة شرائها للنفط الإيراني لتصل إلى ما دون الـ 20% عما كان عليه الوضع قبل فرض العقوبات عليها، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر وملموس على الصادرات النفطية الإيرانية، فأصبحت في أقل مستوياتها على امتداد تاريخها - تكاد تقترب من الصفر-؛ مذ ذاك، ونحن نرصد قيام نظام عمائم الشر والإرهاب بمحاولات إرهابية تستهدف تعطيل تدفقات النفط إلى الأسواق العالمية، وكأنه يقول: «إذا لم تسمحوا لنا ببيع نفطنا، فسنخلق كارثة في الاقتصاد العالمي، وسنعطل تدفقات النفط وخاصة من السعودية والامارات»..!
هذه المحاولات بدأت من خلال تلك العمليات الإرهابية التي استهدفت عددا من ناقلات النفط في خليج عمان وقبالة السواحل الإماراتية، وتطورت لما يشبه هيستيريا «منازعة الموت»، حين استهدفت محطتي ضخ في عفيف والدوادمي، ثم الطامة الاقتصادية العالمية الكبرى باستهدافهم للمعامل في خريص وبقيق، لتُعطل 5% من الإنتاج العالمي للطاقة. جميع تلك العمليات الإرهابية الجبانة تأتي في سياق مترابط واحد، وفاعل واحد، وهو ما تؤكده - في كل مرة - لجان التحقيق الدولية، والتي تشير بأصابع الاتهام إلى النظام الإيراني وهي ترى الأدلة القاطعة التي لا تقبل الشك، وتلمس أدوات تنفيذ الجريمة المختومة بـ: «صنع في إيران».
والواقع أن روحاني سبق وأن صرح بكل وضوح - بعد قرار الرئيس ترمب بفرض العقوبات منتصف العام الماضي - بأن: «على أمريكا أن تعلم... أنها غير قادرة على منع تصدير النفط الإيراني»، مضيفاً بأنه «إذا حاولت القيام بذلك... لن يتم تصدير أي نفط من الخليج». أما وقد نجحت الولايات المتحدة الامريكية في فرض ذلك، فإن حسابات نظام عمائم الشر والإرهاب في طهران - الخاطئة- ترى بأنه ما من سبيل للخروج من مأزق تلك العقوبات التي تخنقه، وتكاد تجهز عليه؛ إلا من خلال تبني استراتيجية خبيثة، تسبب - بزعمهم- خلق رأي عام دولي، وأمريكي، رافض لاستمرار العقوبات، ومعتقد بعدم نجاعتها، كما قد تسهم هذه الاستراتيجية - بحسب ما يمنون أنفسهم- في خسارة الرئيس ترمب للانتخابات المقبلة، من خلال: التسبب في رفع أسعار البترول بشكل مهول، والتصعيد العسكري في منطقة الخليج، وإن أمكن جر الولايات المتحدة للدخول في حرب جديدة، إذ ليس لدى طهران ما تخسره، وهو ما يعني الفشل في تحقيق الوعود الانتخابية التي قطعها الرئيس ترمب لناخبيه في السباق الرئاسي السابق أمام كلنتون، وإخلافه لها، وبالتالي وصول من لا يؤمن بجدوى الاستراتيجية (الترمبية) تجاه إيران، والقول بأنها «فاشلة»، فهي لم تلجم إيران، التي تمضي في برنامجها النووي، كما تسببت في شح في أسواق الطاقة، وارتفاع مجنون لأسعار النفط، ولينعكس ذلك على نمو الاقتصاد العالمي برمته، هذا بالإضافة إلى تسببها في إشعال فتيل مواجهات عسكرية خطيرة، تسرح فيها وتمرح القوارب والمسيرات المفخخة، مع التنصل من عواقب التورط في كل تلك العمليات، ورميها على ميليشيات الحوثي، وكأنها رد حوثي على الحرب في اليمن. وما إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية فوق المياه الإقليمية إلا إحدى تلك المحاولات الإيرانية لاستفزاز الولايات المتحدة، والتي تنبهت لذلك، فاحتفظت بضبط النفس، وحق الرد في الزمان والمكان المناسبين..
ولا ينبغي بحال من الأحوال عزل تلك الاعتداءات الإرهابية على معاملنا النفطية في كل من بقيق وخريص، والتي وصفها مولاي خادم الحرمين الشريفين - أدام الله عزه- بـ «الجبانة»؛ لكون الفاعل الحقيقي احتجب وتستر وتوارى خلف ميليشيات الحوثي الإرهابية في اليمن، منكراً صلته بها، أقول: لا ينبغي عزلها عن سياقاتها الزمانية، والسياسية، والعسكرية، وقرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والوضع الاقتصادي المتردي لنظام عمائم الشر والإرهاب في إيران في ظل الاستراتيجية الأمريكية (الترمبية) ثلاثية الأبعاد، لاحتواء تهديدات هذا النظام الظلامي، والمتمثلة في: إقامة الضغوط والعقوبات المالية المشددة وتصاعدها كما لم يسبق له مثيل في التاريخ، والعمل عن كثب مع وزارة الدفاع والحلفاء في المنطقة للقضاء على أنشطة إيران العدوانية خارج حدودها، والمزعزعة للأمن والاستقرار، بما في ذلك توظيفها للحروب بالوكالة (حرب البروكسي) كالحوثيين، وحزب الله وأفرعه في العالم، ودعم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها للشعب الإيراني للحصول على حقوقه وحرياته وفرص عيشه الكريم، وتقديم ما يمكن لإنقاذهم مما هم فيه.
والواقع أن هذه العملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت أرامكو، مؤشر على نجاعة استراتيجية الرئيس ترمب، لا العكس.. كما أن تعامل المملكة العربية السعودية مع تلكم الهجمات الإرهابية كان في غاية الذكاء، والحكمة، والحنكة.. إذ لم ننجر لرد الفعل الذي تريده طهران، بل احتفظنا بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين، وتوجهنا لمجلس الأمن، وطلبنا محققين دوليين، وكثفنا اتصالاتنا مع الدول الصديقة والشقيقة، ولاسيما الدول الخمس الدائمة العضوية، وفي مقدمها أصدقاؤنا الروس، والصينيون، إذ تم إطلاعهم على تفصيلات ما حدث، وأن المملكة حريصة على تحديد هوية الفاعل بالدليل، وبالتالي رمي الكرة في ملعب المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته. وكانت الصاعقة لنظام عمائم الإرهاب تلك التصريحات الصادرة عن القيادتين الصينية والروسية بالتحديد، واللذين أكدا على الوقوف بجانب المملكة بكل ثبات، ودعمهما لأمن واستقرار المملكة، وتأكيدهما لشراكتهما الاستراتيجية مع المملكة، وإدانتهما الشديدة للاعتداءات التخريبية. فما كان من طهران، ولامتصاص الغضب الدولي، والحشد الدولي ضدها، إلا أن أوعزت لوكلائها الحوثيين بأنهم و»فجأة» سيتوقفون عن استهداف الأراضي السعودية.. معتقدين بذلك أنهم سينجون من فعلتهم.. كلا.. لن ينجوا منها.. وإن غداً لناظره لقريب.
إلى اللقاء