محمد آل الشيخ
كنت على يقين أن إيران الملالي لا تستطيع أن تصمد أمام العقوبات الأمريكية طويلاً، فلا بد لها طال الزمن أو قصر التراجع راغمة غير مختارة، وتخضع مضطرة إلى إبرام اتفاق جديد بشروط جديدة، غير ذلك الاتفاق الضعيف والمخزي والمنقوص الذي وقعه أوباما.
الرئيس روحاني, أثناء حضوره اجتماع جمعية الأمم المتحدة في نيويورك، أدلى بتصريح (تراجعي) قال فيه: إن إيران لا تمانع تعديل الاتفاق مع الدول الخمس + واحد، ثم اشترط لتحقيق ذلك تخفيف العقوبات الاقتصادية، وهو ما يرفضه من حيث المبدأ الرئيس ترامب. وكما يقول العرب: أول الغيث قطرة ثم ينهمر، فتراجعه هذا هو ما يشير إلى أن العقوبات الاقتصادية قد بدأت تؤتي ثمارها وتنهك الاقتصاد الإيراني، فقد شعر على ما يبدو الولي الفقيه أن الزمن يتجه في غير مصلحته وبشكل يتفاقم مع مرور الوقت، وأن الإصرار على الاتفاق القديم لن يزيد اقتصاده إلا تأزمًا، وقد يصل به إلى نقطة يصعب عليه فيها الرجوع. وليس لدي شك أن ردود أفعال العالم تجاه ضربة بقيق وخريص قد انعكست على إيران بشكل لم تكن تحسب حسابه، خصوصًا أن العالم أجمع أدان القضية بقوة، كما اعتبرها الأمريكيون ومعهم الأوربيون موجهة من الأراضي الإيرانية، والإيرانيون - ودعك من عنترياتهم - أخشى ما يخشون منه أن يدخلوا حربًا مباشرة، بعد هزيمتهم المنكرة من صدام حسين في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، فهم دائمًا وأبدًا يقاتلون من خلال الوكلاء، وليس بشكل مباشر، ومؤشرات اعتدائهم على بقيق وخريص توحي بأن الأمور قد تتطور ويدخلون في حرب مباشرة وهم لا يملكون وسائل الانتصار العسكرية، فهم جيش بلا قوة جوية على الإطلاق، اللهم إلا تلك الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية التي قذفوا منها علينا المئات من خلال الحوثيين ولم تحدث أثرًا عسكريًا ذا قيمة. المملكة وكذلك الإمارات تملك قوة جوية تدميرية ضاربة وكبيرة، وذات توجيه إلكتروني متفوق، إذا قصفت إيران العاصمة أو أي مدينة إيرانية أخرى ستحيل التنمر الإيراني إلى هراء، ويعلم الإيرانيون أن قوتهم العسكرية قوة مزعومة قام إعلامهم بتضخيمها، وسيكتشف أهل إيران قبل الآخرين أنها في حقيقتها (تنكية)، وسقوط هيبة الحرس الثوري وانكشاف هشاشته وضعفه، سيغير كثيرًا من المعادلات في الصراع على أكثر من مستوى، أهم هذه المستويات أن الإيرانيين الذين أنهكهم نظام الولي الفقيه سيكتشفون أن هذا الحرس ليس أكثر من (ديك ورقي)، وأن مواجهته وتحديه ممكنة، بل وأسهل مما كانوا يتصورون، ولا سيما أن كثيرًا من الطوائف والأعراق والإثنيات المناوئة للطبقة الفارسية الحاكمة تتحين الفرص للثورة على هذا النظام المتخلف والمهترئ وملاليه القادمين من القرون الوسطى.
روحاني عندما تراجع خطوة في نيويورك، وأبدى مرونة، وقبل من حيث المبدأ تغيير الاتفاق، كان في حقيقة الأمر يدرك أنه لا يمكن أن يتحدى العالم أجمع، خاصة بعد أن تقارب الأوربيون مع الأمريكيين، وأبدوا (لهجة) تحمل حزمًا أكثر مما ألفوه منهم قبل اعتداء بقيق وخريص، فكان لا بد مما ليس منه بد، ومرة أخرى سيتجرع خامنئي السم مثلما تجرعه خميني وهو يذعن للسلام مع صدام.
وليس لدي أدنى شك أن تعامل الدبلوماسية السعودية الذكي والمتزن مع اعتداء بقيق وخريص وضع ملالي الفرس في الكورنر، وجعلهم يتخلون عن عنترياتهم ومكابرتهم والرضوخ راغمين للواقع.
إلى اللقاء