د. عائشة الفيحان
تمثل ظاهرة العنف اللغوي في وسائل التواصل الاجتماعي إحدى أبرز العلامات التي تعكس إشكالية عدم تقبل الرأي والرأي الآخر من قبل مرتادي هذه الوسائل، كما أنها تمثل أداة لقياس مدى المأزق الذي يعيشه هذا المجتمع أوذاك، المأزق الذي يتمثل في رفض الرأي أولا ورفض صاحبه أو نفيه كليا ثانيا، هذه الظاهرة التي تعكس لنا صورة من عدم توازن المجتمعات التي تعودت على غياب الجدال وما يترتب عليه.
ويمكننا إطلاق مصطلح التنمر على هذه الظاهرة، ولفظة (التنمر) قد ازدادت انتشاراً في المجتمع، ويقصد بها العنف اللفظي أو الجسدي من قبل فرد أو فئة ضد أخرى.
ومن المؤكد أن لكل ظاهرة أسبابا أدت إلى انتشارها ولعل من أبرز أسبابها غياب التوعية بأهمية قبول الرأي والرأي الآخر، وأهمية تنوع الآراء التي تفضي إلى تشخيص الظواهر وخلق حلول ناجعة لها، فضلا عن غياب التنشئة الجيدة للنشء في المدرسة أو في المنزل، ومن المعروف أن التنشئة الجيدة من أكثر الوسائل نجاعة في التأثير على المجتمع.
ويمكن التأكيد هنا على أن من أبرز ما ضاعف في اتساع رقعة هذه الظاهرة هو إتاحة المجال لكل من هب ودب في الإسهام في دوائر النقاشات والرد والرد المقابل، إذ نجد أن معظم من يشارك في هذه الفضاءات هم ممن تجردوا من القيم.
ولعل أبرز ملامح هذه الظاهرة هي محاولة كل طرف فرض رأيه وإقصاء ما لدى الآخر من رأي، وكأنه يجد في ذلك نشوة الانتصار في معركة كلامية، كما أن العنف اللفظي ينتشر أكثر بين الجماعات الأقل معرفة ووعياً ثقافياً، إذ إنهم غير قادرين على تقبل رأي آخر جديد مغاير عن الرأي الذي ألفوه.، ويعود معظم ما يحدث من عنف إلى اعتبار كل طرف أن رأيه هو الأصوب، ولا مجال لسماع وجهات نظر أخرى غير وجهة نظره، وبذلك تغيب أدوات الحوار الجيدة، ويجد القارئ أن طغيان هذه الظاهرة مرده إلى من لا يمتلك من المعرفة والعلم شيئا كما أشرنا، إذ هذه الفئة هي أكثر صخبا وعنفا وضجيجا، وهنا يحضرني قول الشاعر:
ملأى السنابل تنحني بتواضع
والفارغات رؤوسهن شوامخ
إن المتابع لهذه الظاهرة التي تفرز في واقعنا عنفا وقسوة يظن أنه لا مجال لتجاوز هذه الظاهرة أو إيجاد حلول لها، ومن جانب نرى أن ذلك فيه شيء من المصداقية، إذ لا مجال لتجاوز هذه الإشكالية إلا بتنمية الوعي بأهمية الحوار والقبول بالرأي لدى المجتمع برمته، ولا تأتي تنمية الوعي لديه بسهولة بل تحتاج إلى تكاتف وتكافل ودعم وترسيخ لكل ما من شأنه أن يعمل على رأب هذا الصدع.