د.ثريا العريض
أكرر ما رأيته شخصياً ووضحته لعقود: «إن مفتاح اتضاح الرؤية لموقع المرأة يأتي في معقولية اختيار المدى الزمني الذي نقارن وضعها في أوله بوضعها في آخره, فكلما اختير هذا المدى بصورة متحيزة وغير حيادية كلما جاء التصنيف الناتج غير علمي وغير واقعي».
هكذا نرى التصنيف الذي يقارنها اليوم بأوضاع المرأة قبل الإسلام حين كانت المرأة متاعاً يتوارث, يتناقض مع التصنيف الذي يقارنها بأوضاع المرأة في الجزيرة في مطلع القرن, حين كانت مشاركة المرأة جزءًا مهماً في الحياة الاقتصادية للأسرة, وكان حضورها فاعلاً غير مختزل وراء جدران تحميها من تأثير «فتنتها المغوية». كذلك الذين يقارنون موقعها بموقع المرأة في العالم الغربي يتناسون أن منجزات المرأة الغربية تراكمت بعد قرون من التغير البطيء في نظرة المجتمع, وبمساعدة ظروف استثنائية ضاغطة, منها حربان كونيتان, وهبوط وانهيار اقتصادي عالمي, وحملات نسوية مكثفة.
ما زال اختلاف تفضيلات الفئات لأوضاع المرأة السعودية يشعل الخلاف الضمني في حوارات الداخل. وكثيراً ما يستوقفني رد فعل حاد من متابع أو متابعة لحسابي في تويتر نحو مؤسسات الدولة ومبادراتها يغلف موقفاً شخصياً ينبع من شعور بالغبن إذ تفقده هذه المبادرات والتغيرات موقع راحة شخصية. موقف أنانية بحتة بلا شك, أحاول تفهم بشريتها وإخراجها من التغليف المتنوع.. والحمد لله على اتضاح رؤية القيادة ووجهتها.
ليس التشدد خصوصيتنا. والمهتم غير المرتبط بأيديولوجية سلفية أو غربية يجدر به أن ينظر إلى متغيرات وضع المرأة في السعودية خلال إطار زمني معقول؛ أراه التسعة عقود الأخيرة. فقبل هذه الفترة لم يكن هناك دولة سياسية توحد المناطق التي تحمل اليوم اسم الدولة السعودية, وكان دور المرأة في صحارى البدو الرحل بقلب الجزيرة غيره في السواحل والمناطق الزراعية والجبال الوعرة. وفيها كلها, رغم اختلاف تفاصيل الدور الفعلي اقتصادياً, كانت المرأة تتمتع بحضور حيوي في المجتمع ولم تعزل عنه تحت أي مبررات بدعوى أن خروجها يؤدي إلى الإثم يستوجب أن تقفل الأبواب.
لم يبدأ تعليم المرأة بالصيغة الحديثة حتى الستينيات الميلادية, ولقي معارضة مبدئية مفهومة, تغلب عليها القرار السياسي الحازم لفتح مدارس البنات أسوة بالفتيان. ولتهدئة توجس المتخوفين أوكلت إدارة تعليم البنات إلى قيادات دينية. وكان ذلك حينها قراراً حكيماً لاستيعاب توجس المجتمع.
خلال عقد من الزمن أصبح تعليم الفتاة أمراً مقبولاً من الغالبية, حاملاً بذرة الجدل المجتمعي مستقبلاً حول قرار ما بعد التخرج من المدرسة, وبعدها الجامعة- حيث المعتاد هو دورها الأسري كربة بيت دورها تدبير المنزل وتنشئة الأطفال وخدمة الرجال المنشغلين بكسب الرزق.
عقد الثمانينيات والمتغيرات في الجوار القريب والبعيد حمل مجموعة من التغيرات التي أثرت في المجتمع السعودي ككل وفي أوضاع المرأة بالذات.
وسأعود إليها لاحقاً لنكمل الحوار.