محمد آل الشيخ
وكما كان متوقعاً آب أردوغان ومعه حكام (دويلة قطر) بهزيمة مجلجلة، ومضت جمعة الخلاص كما أسموها بفشل ذريع، بل كان المتظاهرون تأييدا للسيسي أضعاف من تظاهروا ضده، فلم يتظاهر ضده إلا مجموعات صغيرة، لا تكاد تذكر، وأثبت المصريون أن (المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين)، وأن تلك الثورة المفبركة التي كادت أن تلقي بمصر في أتون المجهول، لن تعود ثانية. وهذا ما يثبت - بالمناسبة - أن حكام قطر لم يقرؤوا التاريخ جيدا، هذا إذا كان لديهم اهتمام ليقرؤوا، لأن من الغباء والحمق أن تنتظر أن يعيد التاريخ نفسه كما يقول البسطاء، فعقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء.
ما كان يسمى الربيع العربي هو تجربة مريرة دموية وقاسية، رأى العرب رأي العين تبعاتها ومآسيها وما تخلف عنها من دمار للبلاد والعباد، ومن المستحيل أن يطأ الإنسان الجمرة التي أحرقته مرة ثانية، كما أن شعارات الإسلام السياسي اتضح للعرب أنها مجرد مقولات فارغة جوفاء، لا تقود الشعوب إلا إلى الخراب والدمار، وهذا ما لم يدركه لا أردوغان، ولا حكام قطر، خاصة بعد أن رأوا بأعينهم تجربة السودانيين، الذين أداروا ثورتهم باقتدار، وتخلصوا من شعارات الإسلام السياسي وحيدوه، ورفعوا شعارات (الدولة المدنية) فحققوا بها ما لم تستطع فئات الإسلام السياسي تحقيقه.
نجاح السودان في بناء دولة مدنية تجربة مبهرة، توقف عندها العرب مليا، وقارنوها بتلك الثورات (الغوغائية) التي قادها المتأسلمون، تجربة السودان لم يعرفها العالم العربي في الماضي، حيث كان المتأسلمون في السابق يحتلون من تلك الثورات موقع الصدارة، فتنتهي إلى الإخفاق والفشل، ولعل سقوط جماعة الإخوان -(النهضة) - في تونس يشير إلى أن الإسلام السياسي قد مجته الجماهير، بعد أن جربوه وذاقوا منه الويل والثبور.
وهذا ما فات على أردوغان وحكام قطر التنبه له، والاستفادة منه، لذلك لم يتحمس المصريون للدعوات الإخوانية، وكان أردوغان ومعه حكام قطر يعولون عليها كثيرا، غير أنه في النهاية فشل، وسيظل يفشل، لأن الإسلام السياسي لم يُشكل قط تجارب ناجحة على أرض الواقع، الأمر الذي يجعل التشبث به وبأفكاره ضربا من التشبث بتجربة تم ممارستها على أرض الواقع وثبت فشلها.
وليس لدي أدنى شك أن أردوغان سيسقط في انتخابات 2023 قطعا، حزبه يتفتت، ووضعه الاقتصادي ينتقل من طامة إلى طامة، ورأيي هذا يشاركني فيه كثير من المحللين الأتراك، بعد أن فقد حزبه السيطرة على أغلب البلديات، وعلى رأسها بلدية إسطنبول.
أما دويلة قطر فليس لديها إلا الأموال تنفق منها بسخاء، وسقوط حليفها أردوغان، سيضعها في موقف معزول، لاسيما وأن الأغلبية الكاسحة من العرب يتوجسون منها ريبة، وبالذات بعد فشل الربيع العربي، وسقوط نظرية الفوضى الخلاقة، ومن الصعوبة بمكان أن تستعيد ثقة الدول التي فقدتها، ولعل آخرها السودان، إلا أن تتخلى عن جماعة الإخوان، وأعمالهم الإرهابية، التي لم يعد بالإمكان (التغطية) عليها.
غير ذلك ستبقى قطر الدولة مثل الرجل الموبوء بوباء خطير، ويتحاشى الناس الاحتكاك به.
إلى اللقاء