خالد بن حمد المالك
كان واضحًا وصريحًا وشفافًا، ولم يكن مناورًا في انتقاء كلماته، ولم يتهرب من الإجابة عن الأسئلة أو بعضها، فقد تحدث بما هي حقائق لديه، ومعلومات موثقة بين يديه، فلم تفلح محاورته المذيعة نورادونيل في انتزاع كلام منه تُرضي به خصومه، ولم تُوقعه في الفخ كما كان هذا تصورها -ربما- وهو يستجيب لطلبها في إجراء هذا الحوار المتلفز.
* *
فمن خلال برنامج ستين دقيقة في قناة (C.B.S) الأمريكية الشهير، خرج الأمير محمد بن سلمان عن صمته، وتحدث عن جريمة مقتل الزميل جمال خاشقجي، حديث القيادي الذي ما زال يعيش المشهد بألم رغم مضي أكثر من عام على وفاته، ومع أن ما حدث كان خارج علمه ومعرفته، ولم يكن بتوجيه منه، مع ذلك فقد حمَّل نفسه المسؤولية كاملة عن مقتله، كونه قائداً ومسؤولاً عن أجهزة الدولة، لكنه لم يعف المتهمين بالتورط من المحاسبة متى ما ثبت أن المدعي العام على حق فيما تقدم به للمحكمة وللقضاء السعودي الذي يتميز بالعدل والنزاهة والقوة.
* *
كان موضوع إيران ودورها في تفجير معملي شركة أرامكو في كل من بقيق وخريص محورًا آخر في لقاء القناة الأمريكية بولي العهد، وكانت إجاباته تنم عن حكمه وتعقل فيما ينبغي أن يتم التعامل فيه مع هذه الجريمة النكراء، فلم يشجع على أن يكون التعامل عسكريًا، ولم يكن متحمسًا للحرب متى ما كان ليس هناك ضرورة لها، وكان يميل إلى التعامل الدبلوماسي لاستقطاب إيران إلى منظومة الدول المحبة للسلام، وتشجيعها على النأي بنفسها عن ممارسة الإرهاب ودعمه كما هو حالها الآن، لكنه لم يغلق باب الحرب إذا أصرت طهران على موقفها، وكأنه يقول (إذا لم يكن غير الأسنة مركبًا فما حيلة المضطر إلا ركوبها)، وهكذا وضع سموه إيران بين خيارين كلاهما في نظام طهران كما السُّم الذي قَبِل به الخميني عندما اضطر إلى إيقاف الحرب مع العراق.
* *
هناك خطورة كبيرة على المساس بحقول ومعامل النفط في المملكة، وأي إضرار بها إنما هو إضرار باقتصاد العالم، فأرامكو هي أكبر شركة نفطية في العالم، والاحتياطي من النفط هو الأكبر في بلادنا على مستوى العالم، وما ينتج منه ويصدر هو كذلك، أي أننا أمام تطورات إرهابية كانت ستمس اقتصاد العالم، وتعرضه للشلل لو تأخرت أرامكو السعودية في إصلاح الضرر الذي أصاب المعمَلَين، وبالتالي حال ذلك دون تصدير أكثر من خمسة ملايين برميل يوميًا إلى وجهتها في مختلف دول العالم.
* *
ومع أن الأمير محمد لا يرى التعامل عسكريًا مع سلوك إيران، لأسباب ثلاثة حددها بالقول: إن المنطقة تشكِّل تقريبًا 30 % من إمدادات الطاقة في العالم، و20 % من المعابر التجارية العالمية، و4 % تقريبًا من الناتج القومي العالمي، وأن أي حرب معناه - كما يقول الأمير - انهيار الاقتصاد العالمي كله، وليس فقط المملكة، أو الشرق الأوسط. إلا أنه استدرك وأكد أن العالم إذا لم يقم باتخاذ موقف حازم ورادع لإيران، فسوف نرى تصعيدًا أكبر، وسوف تهدد مصالح العالم، وتعطل إمدادات الطاقة، وبالتالي فسوف تصل أسعار النفط إلى أرقام خيالية لم نرها في حياتنا.
* *
في حوار سموه مع القناة الأمريكية كانت الحرب في اليمن واحدة من محاور اللقاء، يقول الأمير: نحن مع التفاوض لإنهاء حرب اليمن، ولكننا نريد أن ينعكس النقاش السياسي اليومي حول ذلك إلى تطبيق، وما أعلنه الحوثيون عن استعدادهم لوقف إطلاق النار نعتبرها - يقول الأمير - بادرة إيجابية لاتخاذ خطوة إيجابية جديدة للأمام للدفع بالنقاش السياسي إلى فعالية أكثر، كان الأمير محمد بن سلمان يتحدث للقناة بتفاؤل وثقة، ولم يكن متشائمًا، وإلا لكان عليه - كما يقول- أن يترك مكانه كولي للعهد.
* *
ومن بين ما تحدث به سموه من موضوعات بعد أن منح المرأة السعودية الكثير من الحقوق التي حُرِّمت منها طويلًا، حديثه عن السجينات، وكانت إجابته عن سؤال المذيعة، بأن المملكة دولة تحكمها القوانين، وأن سموه قد لا يتفق مع بعض هذه القوانين، لكن طالما أنها قوانين موجودة اليوم فعلينا احترامها حتى يتم إصلاحها، وأن قرار إخلاء سبيل الناشطات مسؤولية المدعي العام، وتمنى في آخر اللقاء أن يأتي من يرغب ليقابل المواطنين والمواطنات ليتعرف على الحقيقة، ومن ثم يحكم بنفسه.