د. عيد بن مسعود الجهني
ألقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ظلالها على السياسة الخارجية الأمريكية وعلاقات القوة الأولى مع معظم دول العالم، وأعادت الإدارة الأمريكية هيكلة سياستها الخارجية لتصبح مكافحة الإرهاب عنوانًا لتلك السياسة متصدرة كل الأولويات أهمية.
وقد أصبح تعاون أمريكا بدون حدود مع الدول الأخرى في ميدان محاربة الإرهاب هو المعيار الأول في تحديد علاقة الولايات المتحدة، وهو الركيزة الأساسية للعلاقات الدولية وتأسيس المصالح المشتركة السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية.
وإذا كانت أضلاع مثلث أولويات السياسة الخارجية الأمريكية قبل انكسار الشيوعية يتمثل في أمن إسرائيل والنفط ووقف النفوذ الروسي في الشرق الأوسط والعالم، فقد تغيرت المعادلة لتصبح أمن إسرائيل، الإرهاب، ثم النفط، تشكل أضلاع المثلث الجديد.
وقد أدان المسلمون وفي مقدمتهم المملكة ذلك الاعتداء الإرهابي البشع باعتباره عملاً إجراميًّا خطيرًا، الأمر الذي جعل المجتمع الدولي يتضامن مع الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة الإرهاب بل إن هناك قاسمًا مشترك بين السعودية وأمريكا هو محاربة الإرهاب فالدولتان تعانيان من هذا الخطر الداهم فمحاربة الإرهاب عند أمريكا أصبح من أولويات سياستها الخارجية في هذه الحقبة من التاريخ، وعند المملكة هو أيضًا في مقدمة إستراتيجيتها في سياستها الخارجية والداخلية.
ولا شك أن الهجوم الإيراني الإرهابي على منشأتين نفطيتين في بقيق وخريص يتشابه إلى حد كبير مع أحداث الحادي عشر من سبتمر 2001، فلم يشهد العالم منذ تلك الأحداث الإرهابية مثيلا له إلا في هذا الزمان عندما صوبت إيران صواريخها وطائراتها المسيرة ضد المنشآت النفطية لأرامكو السعودية.
شركة أرامكو السعودية تعد الأولى من بين عشر شركات نفطية عالمية من حيث الاحتياطي الضخم الذي تسيطر عليه ومن حيث إمكانياتها الضخمة في صناعة التنقيب عن البترول الخام، كما أن أرامكو تحتل مركزًا مرموقًا من بين أكبر عشر شركات نفط عالمية من حيث طاقتها التكريرية التي تتعدى حاجة السوق المحلي وقدرتها التسويقية المحتملة لمشتقات البترول على النطاق الدولي.
ورغم ما تتمع به أرامكو من طاقة إنتاجية عالية فما زالت حتى اليوم تنتج أقل من طاقتها الإنتاجية القصوى إذ إنها تستطيع أن تنتج (12.5) مليون ب/ي، بل بإمكانها إنتاج (15) مليون ب/ي دون إضافة آبار جديدة أو تجهيزات ومعدات أخرى.
بهذا الهجوم الإرهابي الكبير الذي نفذته صواريخ كروز انطلقت من قاعدة إيرانية على الحدود مع العراق ومثلها الطائرات المسيرة عبرت فوق دولة الكويت، ومعروف بالعلم العسكري أن تلك الصواريخ المعدلة من صواريخ روسية سابقة تقطع المسافات بسرعة تعادل سرعة الصوت وتحلق على ارتفاعات منخفضة جدًا للتخفي من الرادارات ومثلها الطائرات المسيرة (Drones).
طهران بهذا الهجوم الإرهابي شبيه الحادي عشر من سبتمبر استهدفت أهم إمدادات الطاقة على المستوى الدولي، لشركة أرامكو أكبر مصدر للنفط تسيطر على 5 في المائة من إجمالي إمدادات النفط العالمية، يعني استهدافها التأثير المباشر على أمن الطاقة والاقتصاد المحلي والدولي، ولا شك أن ملالي إيران قد ارتكبوا الخطأ الأكبر في مسيرتهم الإرهابية ضد أمن الخليج العربي (مخزن الطاقة العالمي) وضد مصالح الدول الصناعية المستهلك الرئيس للنفط الذي تصدره منطقة الخليج العربي البالغ ما بين 35 - 40 في المائة من إمدادات الطاقة في العالم.
ومن يقرأ تاريخ بلاد الفرس يدرك رغبتهم الأكيدة في زعزعة أمن واستقرار المنطقة برمتها بل والعالم من ناحية أمن الطاقة ومن السوابق القريبة لهذا النظام، ففي 13 مايو 2019 تعرضت أربع ناقلات نفط، 2 سعودية، 2 إماراتية لهجوم إيراني، والهجوم على مطار أبها الدولي في 12 يونيو 2019 هو إيراني - حوثي، وكان إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية بتاريخ 20 يونيو من نفس العام إيرانيا، تلاه إحتجاز ناقلة تحمل العلم البريطاني وغيرها.
هذا يبرز مدى جنوح طهران إلى جلب النزاعات والصراعات والحروب إلى هذه المنطقة الإستراتيجية التي زاد النفط من أهميتها، وقد بدأ خامينئي بفقد أعصابه منذ انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي في شهر مايو 2018، فالعقوبات الاقتصادية طوقت عنق طهران التي يعتمد اقتصادها على إيرادات النفط بنسب تصل إلى 65 في المائة بعد أن انخفض إنتاجها من أكثر من (2.5) مليون ب/ي ليصبح بحدود 300 ألف ب/ي.
ولا شك أن العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية والتي يمتد أثرها إلى شركات ومصارف وغيرها لدول عدة تركت آثارها على الاقتصاد الإيراني الذي أصبح (يحتضر) وترنحت العملة الإيرانية كثيرًا وزادت حدة البطالة والتضخم في ذلك البلد، وبذا فإن العقوبات التي فرضتها أمريكا وشددتها بعد الهجوم الإيراني بصواريخ كروز وطائرات مسيرة على المنشآت النفطية السعودية، لتشمل حتى البنك المركزي الإيراني وغيرها، سيكون أثرها بليغا على النظام السياسي الإيراني حاضرًا ومستقبلا.
هذه العقوبات التي تطال إيرادات الدولة واقتصادها ومركزها المالي تمتد آثارها إلى خامينئي نفسه صاحب حصة الخُمس التي يدفع بها المواطنون الشيعة إلى (حوزته) ليتولى هو التصرف (السخي) فيها مقسما إياها بين أنصاره والميليشيات في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن وغيرها، فكلما قلت دخول دافعي (الخُمس) كلما قلت إيرادات خامينئي ناهيك أن ذلك ينسحب إلى ما يتلقاه الرجل من الدولة من أموال كثيرة.
العالم اليوم وهو الذي وقف مع أمريكا في محنة الإرهاب في الحادي عشر من سبتمبر 2001 وبلاد الحرمين كانت في المقدمة، اليوم مطالب بالوقوف مع بلادنا ضد إرهاب إيران في شهر سبتمبر، وإذا كان السيد بومبيو وزير الخارجية الأمريكية الذي زار المملكة والإمارات أكد أن إيران هي من قامت بتنفيذ هذا الهجوم الإرهابي فإن هذا موقف يحسب للإدارة الأمريكية، لكنه يحتاج إلى تفعيل فالتصريح شيء والعمل الجاد أمرٌ آخر في مفهوم العلاقات الدولية.
وإذا كان هذا هو رأي الوزير الأمريكي، الذي تسنده آراء عدة من ضمنها ما كتبته صحيفة وول ستريت عن احتمال أن تكون الصواريخ والطائرات المسيرة المستخدمة في الهجوم الإرهابي قد انطلقت من العراق أو إيران، فإن العالم كان يتوقع ردًا إيجابيًّا أكثر وضوحًا من الإدارة الأمريكية رغم أن السيد ترامب وعد ناخبيه بعدم خوض حروب بعد أفغانستان والعراق، وقد تفسر تصريحاته المتناقضة حول قضايا عدة ومنها بالطبع قضية إرهاب إيران بأن الرجل الذي يخوض حربًا تجارية مع الصين يحتاج مزيدًا من الوقت ليخرج عن صمته للدفاع عن مصالح بلاده وحلفائها في المنطقة، وعلى الجانب الآخر تفكيره المنشغل في فرصة فوزه بالانتخابات القادمة.
ومع هذه التداخلات شديدة التعقيد وكما يقولون (رب ضارة نافعة) فإذا كانت الإدارة الأمريكية في عهد بوش الابن استطاعت تكوين حلف قوي لمحاربة الإرهاب كانت وما زالت المملكة أحد أقطابه، فإن الوقت أصبح مناسبا اليوم لتكوين حلف عربي -إسلامي- دولي ضد إرهاب إيران وحروبها في المنطقة خاصة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وإستغلال الدور الدولي في الأمم المتحدة خاصة في انعقادها القادم ومجلس أمنها والجامعة العربية والمنظمات الدولية، ولا شك أن انعقاد مؤتمر عربي - إسلامي لهذا الغرض أصبح ضرورة وليس ترفًا.
ومن المهم القول إن عملاق الطاقة العالمي أرامكو السعودية جبل لا تهزه الرياح فعلى الشامتين والحاقدين كتم أفواههم، فأرامكو الذي يرجع تاريخها إلى عام 1933م ستبقى الرقم واحد في عالم صناعة النفط، وهي أرامكو تعد في عالم اليوم تاريخًا نفطيًّا يندر أن تجد له شبيها، تاريخ مليء بالإنجازات عبر سلسلة من العقود في حياة هذه الشركة الفريدة من نوعها بالبحث والتنقيب والاستكشاف للنفط، وإنتاجه، وبهذا فهي تعتبر نموذجًا فريدًا في كفاءة الأداء.
ولذا رأينا أنها استطاعت وفي وقت وجيز من رفع إنتاجها وزودت عملاءها باحتياجاتهم من النفط، واستغلت مخزونها الإستراتيجي في الوقت والزمن المناسبين.. وبذا فإن الشركة تملك القدرة الإنتاجية الكبيرة والعنصر البشري المؤهل تستطيع أن تسيطر على ما لحق بمنشآتها من أضرار جسيمة في كل من بقيق وخريص خلال وقت محدد لتعود كامل طاقة الإنتاج إلى عهدها، وإذا كانت أحداث الحادي عشر من سبتمر الإرهابية عام 2001 الشرارة التي فجرت عمليتي الأسعار والإنتاج وانقلبت معادلتهما رأسًا على عقب فإن الهجمات الإيرانية الإرهابية على المنشأتين النفطية السعودية رفعت الأسعار بنسبة بلغت أكثر من 15 في المائة قبل أن تعود للتدني الخجول تزامنًا مع تأكيدات أرامكو لسوق النفط الدولية أنها قادرة على السيطرة على تداعيات الهجوم الإرهابي.
أرامكو ولدت عام 1933 لتبقى
أصبحت مملوكة للدولة بالكامل لتتطور وتضخ أموالا كثيرة في خزانة الدولة.
مهما صادفت من عواصف
زادت من جهودها في التنقيب عن النفط الخام والغاز الطبيعي وإنتاجهما ومعالجتهما
طورت من أعمال التكرير وتقطير الغاز وإنتاج المواد البتروكيماوية
للشركة حصص ملكية في قطاعي التكرير والتسويق في دول عديدة من العالم.