د. محمد بن إبراهيم الملحم
«المعلمون الشباب مستقبل المهنة»، هذا هو شعار اليوم العالمي للمعلم لهذه السنة والذي يوافق بعد غد السبت الخامس من أكتوبر 2019 والواقع أنه شعار ملهم، فالشباب هم عماد الأوطان في كل زمان، ولا يستغرب أن يكون «المعلم الشاب» أملاً لمستقبل مهنة التعليم في عهدنا الحاضر، حيث أصبحت التقنية المتقدِّمة تنافس القدرات الشخصية، ففي الماضي كان المعلم يجتهد في تصوير الفكرة والطريقة سواء من خلال قوة لغته وثرائها وقدرته على التصوير اللفظي البليغ الذي يقدح خيال المتعلّم بطريقة صحيحة أو من خلال قدراته في الرسم والتصوير والبحث عن الأمثلة والبدائل والمشبهات ليقرِّب الصورة، بينما في الوقت الحاضر كل هذه القدرات الشخصية لم تعد مهمة كثيراً في ظل توافر كثير من موارد التعلم التي تقدّم المواد الإيضاحية بالصوت والصورة سواء كانت تصويراً حقيقياً أو مشبهات تمثيلية أو حتى المحاكيات للواقع الفعلي simulators لتدعم التعلّم في أرقى صوره، وفوق هذا يمثِّل تعدد الأساليب الموضحة للموضوع الواحد بعداً آخر في تسهيل التعلم لأن المتعلمين يختلفون في مشاربهم وتفضيلات الفهم لديهم فتكون بعض الأساليب المفضَّلة لبعضهم أقل تفضيلاً لآخرين.
المعلمون الشباب هم الأقدر على تطوير هذه التقنيات، وكذلك على تسخيرها وإعادة تشكيلها لتلائم المواقف الجديدة، ويتوقّع من المعلمين الشباب أن يبتكروا أساليب إيضاح وتعلّم جديدة أكثر تشويقاً للجيل الجديد باعتبار أنهم الأقدر على فهم لغته ومشاربه وجوانب الجذب لديه مثل الألعاب الإلكترونية على سبيل المثال كما أن المعلمين الشباب يتفهمون حاجات المتعلّمين النفسية لقصر الفترة الزمنية الفاصلة بينهم مقارنة بغيرهم من المعلمين مما يجعلهم الأكثر قدرة على الاستجابة لهذه الحاجات والتماهي معها. المعلمون الشباب شعار لا يقتصر على المعلم في غرفة الصف فقط، بل هو أيضا ًيعبر عنه بعد أن يترقى كمحترف لمهنة التعليم ليصبح قائداً أو مشرفاً تربوياً أو كاتباً للمناهج أو مرشداً طلابياً، وعندما ننظر هذه النظرة للمعلمين الشباب فهي لأنهم جبلوا على حب التجديد، وعلى الرغم من أن التعليم مهنة متجدّدة إلا أنها يمكن أن تظل راكدة لفترة طويلة من الزمن إذا لم يتم التعامل معها بجرأة، وهو ما يميز الشباب في هذه الحالة.
يجب أن نربط هذا المبدأ بالسبب الذي من أجله أعلنت اليونسكو هذا الشعار لهذه السنة وهو أنها في رؤية التعليم 2030 تضمنت في أحد أهدافها رقم (SDG 4.c) أن المعلمين أساس مهم لتحقيق تلك الرؤية وذلك لأنها ارتكزت على أهداف تطوير ذات ديمومة Sustainable Development Goals (SDGs) وتستهدف كلاً من «جودة التعليم» و«التعلّم مدى الحياة»، وهما تحديان كبيران لا يمكن الوصول إليهما دون أن يكون المعلم هو الركيزة الأولى، وقد أكدت على هذا المعنى العام الماضي أكدت في من ندوة ولقاء عبر العالم.
وأشارت اليونسكو في وثيقة المبدأ لهذا الشعار أنه في العالم الغربي اليوم وفي كثير من دول العالم بدأت قيمة المعلم الاجتماعية تتراجع نتيجة لطريقة تعامل الوالدين مع أبنائهم وتدخلهما في شؤون العملية التعليمية بطريقة مختلفة عن السابق تماماً، وذكرت إنه تبعاً لذلك أصبح كثير من المعلمين يخشون العنف في المدارس، وتراجع الإقبال على مهنة التعليم كما ازدادت نسبة التقاعد المبكر. ولذلك أكدت اليونسكو على أن تنمية دافعية الشباب تحت الثلاثين للإقبال على مهنة التعليم كخيار أول هو أكبر تحد أمام المؤسسات التعليمية، لا لمجرد الحصول على معلمين و«سد الطلب» فقط وإنما لاجتذاب أفضل العقول في هذه السن وأولئك الخريجين بمعدلات عالية. ولقد خصصت اليونسكو في احتفاليتها في باريس بهذه المناسبة موضوعين فرعيين للمناقشة المفتوحة، أولهما: كيف نجتذب الشباب إلى الالتحاق بمهنة التعليم والثاني: كيف نحافظ على المعلمين الشباب والمبتدئين في المهنة، وهذا يعكس درجة أهمية الموضوع وانعكاس المشكلات الملموسة في هذا السياق عالمياً على كيفية التعاطي معه. وأتمنى أن توفق وزارة التعليم لدينا والمؤسسات الثقافية (والتي يجب أن تشارك في هذا الحدث أيضاً...) إلى التركيز على هذه الجوانب ودعوة المعلمين الشباب تحديداً لإحياء فعاليات ومناقشات هذا اليوم (إن وجدت) والتأكيد على دورهم وإعطائهم الفرصة لتقديم رؤاهم وتصوراتهم عن المهنة لتفيد منها جميع المؤسسات المعنية (التعليم والخدمة المدنية والمالية والجامعات) بما ينعكس على مستقبل أفضل لمهنة التعليم وإقبال الشباب المتفوّق عليها. أتمنى ذلك.