شريفة الشملان
يا رب «ألف صديق ولا عدوًّا واحدًا».. هذا كلام، وكلام آخر «عدو عاقل خير من صديق جاهل»، و»صديقك من صَدَقك لا من صدَّقك». كلام كثير عن الأصدقاء، وكلام أكثر عن أصدقاء الرخاء وأصدقاء المصالح والمنصب، وأصدقاء الاسم الكبير.
وكل منا له تجارب مع الأصدقاء، ربما أغلبها حسن، لكن المؤلم هو غير الحسن، ليس لأن أصدقاءنا كانوا يومًا سيئين، ولا لأننا لم نحسن الاختيار. وأنا شخصيًّا تلعب بي اللحظة الأولى، وربما هذا خطأ، وربما إحساسنا يأخذنا نحو ذلك.. لكني أعترف وأنفض عن نفسي الغبار، وأقول: إحساسي في أحيان كثيرة يكون متلبدًا. فالنظرة الأولى ربما تكون خادعة، وقد تكون باقة الأزهار ليست إلا صناعية.
ربما لكل صديق ظرفه، نحن لسنا ملائكة، هناك أصدقاء متعبون جدًّا.. الذين يريدون تقريرًا مفصلاً من ظروفك، ونحن نريد أن يعلم الصديق عن ظروفنا ما نريد، ولا يعلم ما لا نريد، ولكن يبقى هناك أصدقاء نحن نريد منهم أن يسمعوا لنا، ننفض آلامنا بين أيديهم، وإخفاقاتنا، لا نريد عزاء، فقط نريد أذنًا تسمع، وعلينا كما نطلب السماع أن نسمع.
أعترف بأنني لا أحب الصديقة النكدية.. ولا تلك التي تريد أن تكون مفتية لي. ليس معنى ذلك أنني لا أملك كمًّا من الصديقات.. لدي باقة جميلة منهن، وملونة بألوان مبهجة. هناك صديقات الحرف والشوق والألم، صديقات الحكايات.
ولكل منا مشاغلها عن التوافه، وكل منا ترتفع بنفسها عن التطفل، ولكن كل واحدة يمكن أن تكون بلسمًا عند الحاجة، خاصة ما يتعلق بالكتابة. هناك صديقات منذ الطفولة تغيّرت أعمالنا وكبرنا، وتغيّرت مشاربنا وتراكمات حياتنا، لكن ما زلنا نحنُّ للحظة الجميلة التي نلتقي بها. فرَّقتنا الظروف، وأصبحنا على امتداد الخليج ونجد، لكن تجمعنا المناسبات الجميلة كما المؤلمة.. ونحنُّ للحظات الجمال هذه. ومن أجمل فرص حياتي أن نلتقي أصدقاء منذ أزمنة الدراسة الأولى.
هناك أصدقاء يحبون لك الخير، يفرحون لسعادتك، يشتهون الضحكة تشرق في وجهك، خاصة بعد رياح ألم مررنا بها، أو أحد المقربين لنا.. ونبادلهم الشعور، هم لا يملكونك، ولا يردون ذلك، وأنت عليك أن تكون كذلك، لا تقدم لهم تقريرًا، ولا يطلبونه، ولكن عندما يسمعون بالمقابل عليك أن تسمع..
غالبًا عندما تكون الشحنة لدينا أكبر من اللازم فإننا ننسى أن لهم وقتًا، وننسى أن لهم طاقة استيعاب؛ لذا هم يبذلون جهدًا من أجلنا ولنا، وعلينا ألا نكون أنانيين هنا..
عند الأزمات لا نعدمهم، هم يعملون ويذللون الكثير، ورغم ذلك عندما نتأخر يقدرون لنا ذلك.
ولكل منا أخبار وحوادث مع الأصدقاء.. هناك صديق المصلحة، وهو يحبك ويريدك عندما تكون متألقًا، والناس يشيرون إليك، ويكون معك في دائرة الضوء. هم أصدقاء الضوء، وليسوا أصدقاءنا. لا يجب أن نكتئب؛ فالضوء الذي يريدونه سيأتي يومًا يحرقهم..
لأن الناس أشكال فالأصدقاء كذلك.. هناك الصديق الذي يفرض النكد على حياتنا معه.. هم ليسوا حتى أصدقاء لأنفسهم. بصراحة، اهرب منهم. بعضهم/ هن يطلبون منك تقريرًا مفصلاً عن أوقاتك. عندما تحاول أن تحكي لهم بعض المتاعب هم يقولون متاعبهم وتجاربهم بدلاً من المساعدة. قد ينقل ما حصل لجهات الدنيا الأربع؛ لذا رغم الحاجة الدائمة للصديق ولكن ليس أي صديق، هناك من يتبع القول:
((احذر عدوك مرة، واحذر صديقك ألف مرة لأنه أعلم بالمضرة)).
لكنه -في رأيي- قول لا ينطبق إلا على قليل من الناس.