د.محمد بن عبدالرحمن البشر
يعتقد أغلب الباحثين أن سميراميس هي ملكة سامورات، زوجة الملك الآشوري شمس أدد الخامس، الذي عاش في القرن التاسع قبل الميلاد، 823-810 ق.م أما اسمها سمير أمين، أطلقه عليها اليونانيون تصحيفاً لاسمها الآشوري الأصلي سامورات، ورغم أنها حقيقة، إلا أنه قد نسج حولها الكثير من الأساطير، لاسيما في ولادتها من أم نسج حولها أيضاً أساطير خيالية، وكذلك في نهاية عمرها. والأساطير كانت سائدة في تلك العصور قبلها وما بعدها، واستمرت قرون إلى عصرنا الحاضر على درجات متفاوتة.
تقول الأسطورة: إن سكولون مدينة كبيرة في العراق، بها بحيرة سمكية واسعة، تملكها مخلوقة لها رأسي امرأة، وجسم سمكة، اسمها تركيتو، لكن عشتار المخلوقة القوية الخارقة الجمال غضبت على تركيتو، وقررت معاقبتها من خلال جعلها تقع في حب شاب جميل يعمل حائكاً كان يزورها بين الفينة والأخرى وذات يوم قدم الشاب إلى المدينة، فرأته تركيتو وهامت به، كما هي الطبيعة البشرية لعشق كل جميل، وعرضت عليه هواها، لكنه لم يستجب، طالباً منها أولاً مساعدته في علاج والدته المريضة، فإذا شفيت سوف يحقق رغبتها، وبعد حين وأقدرهم الله على علاجها وشفيت من مرضها، بعد ذلك أخذت تركيتو الشاب إلى كوخ، وقضت وطرها منه، واستمرت على هذا النهج شهوراً عديدة، لكن الملل أصابها بعد حين، كما هي عادة بعض النساء وبعض الرجال إذا طالت العشرة، وقررت التخلص منه، وأدعت أن بظهرها ألماً، وأنها تحتاج إلى جلد سمكة الأنكليس لتربطه على ظهرها ليمتص الألم، وهي تتوقع أن يموت هناك، فمات. ورحلت إلى بابل في جنوب العراق، وولدت في الصحراء طفلة جميلة وتركتها، وعادت هي إلى بحيرة السمك أما الطفلة، فقد قيض الله لها الحمام الذي أحاطها بأجنحته وريشه من الجهات الأربعة ليهيئ لها الدفء، كما أن ذلك الحمام كان يغدوا ويعود حاملاً في منقاره الحليب، وبعد أن بلغت الطفلة سنة من عمرها جلبوا لها بمناقيرهم الجبن، وكان عدد الحمام سبعاً، وكان الصيادون يتعجبون عندما يرون قطع الجبن منقرة من حوافها، فتتبعوا الحمام، وبعد عناء وجدوا طفلة جميلة، فأخذوها إلى مسؤول القطعان الملكية، و اسمه سيماسي، وكان عقيماً، فاهتم بها ورعاها حتى كبرت، وأطلق عليها سيمرات، أي (محبوبة الحمام) باللغة الأشورية، وقد رزقت جمالا أخاذاً، وأصبحت أجمل بنات بابل، وذات يوم أرسل الملك شمسي أدد أحد ضباطه واسمه أونسي إلى بابل، وعندما رأى جمال سمير أميس هام بها، طلب من سيماسي أن يزوجه أيها، فقبل وسارت مع زوجها إلى آشور، وتعلق بها و أصبح أسير حبها.
ذات يوم ثارت إحدى المدن على الملك، فأرسل إليها القائد أونسي يحاصرها، لكنه لم يستطع فتحها، وطال فراقه لزوجته، سميراميس، فأرسل إليها يطلب قدومها، وكانت ذات مواهب، وليست لباساً يصلح أن يكون للرجال والنساء على حد سواء.
فلما رأت خوف زوجها وعجزه عن فتح المدينة، وضعت خطة لفتحها، ونجحت، فأرسل إليها الملك هدايا عظيمة، وعندما عادت إلى عاصمة آشور، ورآها الملك أفتن بجمالها الأخاذ، وقدراتها الفائقة، وحاول إقناع زوجها أن يتنازل عنها، مقابل تزويجه بإحدى بناته، لكن الزوج أبى، فهدده الملك بقلع عينيه، مع الضغط الشديد من قبل أصيب زوجها أونيس بالجنون، فوضع حبل على رقبته، وشنق نفسه، بعد ذلك تزوج الملك بها، وأنجبت له أولاداً، ولما بلغ أكبرهم خمس سنوات، تمنت على زوجها أن يجلسها على كرسي الملك، يوماً واحداً فقط، ويمنحها الأوامر المطلقة، ففعل ذلك، ولما جلست على كرسي الملك أمرت بقتل زوجها الملك، فأصبحت هي الملكة المطلقة لآشور، ودفنت زوجها، وبنت على قبره بناية عالية.
اهتمت اهتماماً شديداً بالبناء والتشييد، وتزين الحدائق، وأنشأت مدناً جديدة، وبعد ذلك اتجهت إلى التوسع، وزيادة مساحة مملكتها، مستفيدة من قدراتها العسكرية، واختيارها للقادة الأكفاء، وكانت تأمر من تراه وسيما من قادتها بأن يضاجعها، ثم تقتله، وقد وصلت إلى فارس وبلاد النيل، والجيشة، وليبيا، وحاولت إخضاع الهند، لكن أسرار خطتها شُريت إلى القائد الهندي، فلم تفلح، وعادت بعد أن خسرت ثلث جيشها.
بعد هذا الفشل، رغب أبنها الثالث أن يتولى الملك بدلاً عنها، فرفضت، فتآمر مع أحد القادة الخصيان، واكتشفت المؤامرة، لكنها لم تعاقبه، وأمرت القادة بطاعته، أما هي فقد طارت بصحبة بعض الطيور، وقد عاشت اثنتين وستين سنة. بعد وفاتها نصب لها ولدها نصباً يليق بها وكتب تحته اسمها، وتمجيدها.
الحقيقة لم تكن سميرات أو محبوبة الحمام، أو سميراميس باليونانية تماثل صورتها الأسطورية، لكنها كما يعتقد، وكما بينته بعض الآثار كانت وصية على عرش ابنها مدبرة بارعة في التشديد والتوسع، ورزقها الله بمجموعة من الوزراء والقادة العسكرية الأكفاء، فكانت على آثار فعلها خالدة حتى عصرنا الحاضر، وهناك من يقول إن بعضاً من معاصريها، قد أرادوا أن يجسدوا فيها ما كانوا يعتقدونه في أحد آلهتهم المزعومة، واسمها عشتار، التي كانت رمزاً للجمال الأخاذ، والشيق المفرط، والقوة والقدرة على الكثير من الأفعال المتعلقة بالرجال والنساء في آن واحد.
سميراميس أصبح اسماً مألوفاً في عصرنا هذا، فهو يطلق على بعض الفنادق والمطاعم والأماكن، وربما أن البعض لا يعرف الخلفية التاريخية لما قد يكون سبباً في إطلاق هذا الاسم وتداوله.