بعد سقوط الفاشية الإيطالية عند نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يعد مطلوب من صناع الأفلام الإيطاليين صناعة بروباغندا تمجد إيطاليا الفاشية ومؤسساتها، وبدلاً من ذلك، بدؤوا يقدمون أفلاماً على النقيض الآخر المختلف كلياً؛ يقدمون أفلاماً تحكي قصصاً حقيقية/واقعية عن أناس عاديين، من أفراد الطبقة البسيطة، الذين يحاولون الانخراط في ممارسة الحياة بعد خرائب الحرب. وصناع الأفلام الذين ينطبق عليهم هذا النهج الفني هم لوتشينو فيسكونتي، وروبرتو روزيليني، وفيتوريو دي سيكا.
عمل هؤلاء الثلاثة في صناعة أفلامهم ضمن قوانين صارمة بناءاً على توجه فني محدد، فمثلاً: أن يكون الممثلون أشخاصاً عاديين وليسوا بممثلين محترفين أو معروفين. وأن يكون تصوير الفيلم في الشوارع العامة والأماكن الحقيقية التي يعيش فيها الناس دون الاعتماد أبداً على إستديوهات التصوير. وأن يعتمد الفيلم على اللقطات طويلة، وأحياناً إعطاء الممثلين حرية ارتجال الحوارات. وكل هذه الشروط صنعت مرحلة سينمائية مهمة تعرف باسم «الواقعية الجديدة»، والأفلام التي قدمتها هذه الحقبة تعتبر اليوم من أفضل الأفلام في تاريخ السينما على الإطلاق.
(و صارت تعرف هذه المرحلة لاحقاً باسم «الواقعية الإيطالية الجديدة». وكانت وقت ظهورها جديدة كلياً، وذات بريق ساحر.)
مؤخراً، حدث تطور مشابه في صناعة الأفلام الحديثة المعاصرة ينبئ بميلاد الواقعية الجديدة-الجديدة، فالسينما تشهد ارتفاعاً ضخماً في صناعة الأفلام «الواقعية»، وداخل هذا الإنتاج الضخم تظهر مجموعة قليلة من صناع الأفلام المعاصرين الذين يشبهون بشكل مفرط أقرانهم من صناع الأفلام الإيطاليين في فترة مابعد الحرب العالمية الثانية، ومن أبرز السمات المشتركة في الأفلام المعاصرة هي اختيار ممثلين غير محترفين ولا مشهورين لتأدية أدوار أفراد يعيشون داخل المجتمعات المعاصرة ولكنهم محرومين فيكافحون لأجل التكيف مع المجتمع وتحدي مشاكل الحياة اليومية، وهؤلاء القلة هم شون بيكر، وآندريه أرنولد، وسيلين سياما، والأخوين سافادي. وفي أفلامهم نشاهد بوضوح إدراج قوانين الواقعية الإيطالية الجديدة، في حين كان الدافع وراء حقبة الواقعية الإيطالية الجديدة هو سقوط الفاشية وغياب التحكم المؤسساتي، إلا أن الدوافع اليوم وراء هذا النهج الفني غير واضحة.
ومع ذلك، يوجد بعض الأحداث التاريخية المعاصرة، والتطور التكنولوجي، التي أثرت على أجيال اليوم وساعدت في تشكيل الظروف الاجتماعية التي تتطلب حقبة جديدة من الواقعية في صناعة الأفلام؛ مثل: حرب العراق، وهجمات 11 سبتمبر، والانهيار الأمريكي المالي في 2008، وحراك مواقع التواصل الاجتماعي مثل هشتاقات #وأناأيضاً #حياة السودمهمة #غيره، التي تطالب بالإصلاح الاجتماعي على نطاق عالمي.
ترجمة مقدمة ورقة نقدية بعنوان «انبعاث الواقعية في السينما»، للمؤلف آرنر بيتراسون.
** **
- ترجمة/ حسن الحجيلي