صورةُ الشيخ عبد الرحمن العلي التركي العمرو المرفقة بهذه القصيدة لاحت لبصري ذاتَ رثاء فَعَلَيهِ رحمةُ الله ، و كنتُ قبلها بأسابيع قليلة قد أنجزتُ قصيدةً في رثاء أبي ووالده عليهما رحمةُ الله و هكذا صارت العصا رمزاً يجمع ثلاثة شيوخ أعزاء انتقلوا إلى جوار ربهم أفلا يَحِقُّ لنا بعد ذلك أن نقول إنَّ الصورة تُنشِدُ شِعراً و تدور في أفلاكه !
عَصَاكَ رواياتٌ على الحِلمِ مَحمُولَه
إذا كابَدَ التِّلميذُ لُغزَينِ تَبدُو لَه
تَهُشُّ بِها! وَ اللُّغزُ أيّ رِعَايَةٍ
تَجَشَّمتَهَا و الذَّاتُ بالجرحِ مصقُولَه
وَ أيّ اجتِيازٍ لليَبَاسِ شَرَعْتَه
إلى ضفَّةٍ خَلفَ الكِناياتِ مَسحولَه
تَدَاوَلَتِ الأفواهُ شَيئاً! وَ عَنَّ لي
حَديثٌ حَديثُ السَّبْكِ ما صِيغَ لِلدُّولَه
وَ أذْهَلَ قَوماً حِبرُ عَيْنَيَّ! هَلْ رأوا
بَقِيَّةَ أسفَارٍ مِنَ السَّهوِ مَجبولَه
وَ سَهوٌ هُنا جَدواهُ نَبذُ رَتَابَةٍ
و أسطورةٍ تَبدو مَعَ الرَّيبِ مَعقولَه
أنا ذَلكَ الوَسوَاس! في الماءِ صورتي!
صَحيحٌ وَ لكنَّ الشَّياطينَ مَجهولَه
حَفِيٌّ بِأعبَاءِ الدِّماءِ و رُبَّما
تكونُ دمائي في فَمِ الغَيبِ مَطلُولَه
أنا ذَلكَ التِّلميذُ قَد كانَ دَفتري
رِمالاً عَلى سِرِّ المُريدِينَ مَجدولَه
تَمَنَّيتُ لَو أنَّ (الدِّلالَ) ذَريعَةٌ
إليكَ و جَولاتِ (الفَنَاجِيلِ) مَوصولَه
لَجِئتُكَ في حَفلٍ مِنَ البُنِّ ماجِدٍ
لَهُ حظوَةٌ عِندَ التَّبَاريحِ مَأمولَه
يَسِيلُ فَيُرغِي مِثلَما تَسجُدُ الرُّؤى
عَلى نَشوةٍ صَوبَ التَّراتِيلِ مَسلولَه
كَأنَّ بُنَيَّاتِ العَزاءِ رَهينَةٌ
لَدَيهِ وَ أجرامَ السَّلاطِينِ مَغلُولَه
تَمَنَّيتُ يا جَدِّي وَ لكِنَّ حِيلَةً
تَدَبَّرتُها أفضَتْ إلى الرُّوحِ مَخذولَه
فَرَاوَحتُ في ظِلِّ العصا وَ هَواجسي
بُنودٌ بِأشجانِ الحكاياتِ مَغزولَه
عَصاكَ! وَ تَبدو مِنْ بَعيدٍ مَلامِحي
صَبيّاً كأشعارٍ عَلى الجِنِّ منحولَه
حَفيدُكَ لَم يَحفَظْكَ إلا قصيدةً
عَلى نَفحَةٍ مِنْ باذخِ العِطرِ مَنقولَه
تَجَاوَزتَ للميعادِ فَرداً و للعصا
مَقامٌ يَظَلُّ القَلبُ يا جَدُّ يَصبُو لَه
طَرَقْتَ بِها حَتَّى أفَاقَ شُوَيعِرٌ
بِثَوبي وَ فاضتْ بالأعاجيبِ أمثُولَه
عَصاكَ!! وَ يَختَارُ الكفيفُ فَهَل رأى
حظوظاً عَلى نَصلِ الإشاراتِ مَكفولَه
فَللّه ما ذاكَ اليَقينُ ؟! قد استَوَى
عَلى اللُّبِّ حتى رَدَّ لِلُّبِّ مَدلولَه
و أذَّنْتَ! يا لله! جَالَ بِخَاطِرِي
كَلامٌ وَ لكنَّ السِّجِلَّاتِ مَحمُولَه
عَصَاكَ رِحابٌ وَ الأذانُ مَهابَةٌ
وَ صوتُك ما لا تُحرَمُ النَّفسُ مَفعولَه
وَ رَمسُكَ! ما للرَّمسِ ؟ فاضَ صَداقةً
تَظَلُّ عَلى كُلِّ الخَواتيمِ مَقبولَه
ثلاثونَ عاماً بَعدَ موتِكَ لَم أزَلْ
أراكَ! وَ روحي بالتَّفاصيلِ مَشغولَه
حَفيدُكَ طِفلٌ! جِسمُكَ الآنَ ساكنٌ!
وَ جَفنَا كفيفٍ! وَ هيَ في الفَألِ قَيلولَه!
عَصاكَ هنا! قُربَ الفِراشِ كَهَمسَةٍ
تُناجِيكَ يا نَفساً على الرِّفقِ مَجبولَه
أفِقْ .. إنَّ ضَيفاً يَطرُقُ البابَ باسماً
فَبَابُكَ أجدى! ليسَ في الشَّأنِ حَيلولَه!
وَ حاوَلتُ! لَم أفهَمْ سُكونَكَ إنَّما
نَصَبْتُ سُؤالي مَغرِبَ الشَّمسِ أحبُولَه
رَصَدتُ بِها جَأشَ الكِبارِ فَهَالَني
وُجُومُ أبي رَدّاً! فَلَم أقتَحِم طُولَه
وَ قالوا مَضَى في مَوكِبِ الحَقِّ! إنَّهُ
إلى كُلِّ حَقٍّ يُوفِدُ الذَّاتَ مَبذُولَه
وَ ما قَرَّبوني للضَّريحِ فَعَزَّني
حُروفٌ تَوَخَّاها الرَّدَى غَير مَشكولَه
وَ عَادَ أبي .. للذِّكرَياتِ بَقِيَّةٌ
وَ تلكَ العصا في أوجِهَا غَيرُ مفصولَه
هُنالِكَ كانت نَبرَةً و هُنا أتَتْ
حُروفاً على زَندِ القَريحَةِ مفتولَه
يَسيرُ أبي حَتَّى تُسَلِّمَ نَخلَةٌ
عَليهِ و تَسمُو لَهجَةُ الحَقلِ معسولَه
و يَطرُقُ دَرباً بالعصا فَكَأنَّهُ
مَرافِئُ وَجْدٍ تَمنَحُ البَحرَ أسطولَه
وَ يَطرُقُ دَرباً للأذَانِ تَحُفُّهُ
عَصاهُ التي بَاتَتْ عَنِ الصَّوتِ مَسؤولَه
عَصا والدي!! قَلبي يَجِفُّ مَهابَةً
إذا طَلَعَتْ مِنْ هادِرِ الوَيلِ مَغسولَه
أخافُ أبي حَقّاً! أخافُ ظِلالَهُ
وَ أعشَقُها داراً مَعَ الحَزمِ مأهولَه
وَ قَدْ ماتَ! لكنَّ الخَيَالَ مَطِيَّةٌ
تُحَلِّقُ فَوقَ الموتِ فَيحاءَ مَتبولَه
حبيبانِ غابا و العَصا ذِكرياتُها
أرامِلُ في كَونٍ مِنَ الشِّعرِ مَعزولَه
أذانُهُما! مسراهما! و كِلاهُما
(أبو ناصرٍ) في سَابِغِ الشَّجوِ (مَشمولَه)*
سَلامٌ عَلى جَدِّي سَلامٌ عَلى أبي
سَلامٌ عَلى تِلكَ العَصا كُلَّ قَيلولَه
... ... ...
* هذه الكلمة جاءت مؤنثة حتى تلائم مؤنثاً تأنيثاً مجازياً مقدّراً مفهوماً من السياق وهي (الكنية) والمعنى (أن الكنية مشمولة)
** **
- فهد أبو حميد