د. حمزة السالم
التجارة الإيجابية هي التي تحقق نموًا حقيقيًا في القيمة، دون أي زيادة لكمية أو لنوعية. كموردي السلع ومستورديها والوكلاء وتجار الجملة والتجزئة، وشركات الدعاية والإعلام، ونحوها مما يوصل السلعة أو يوصل العلم بها للمستهلك. وأما المضاربة بالسلع أو تجميدها ومنعها من الناس، فهو من التجارة السلبية. وحد التجارة السلبية الضابط الذي يفرقها عن التجارة الإيجابية هو: أنها لا تضيف أي قيمة للإنتاج، وغالباً ما تتسبب في ارتفاع الأسعار غالباً دون إضافة أي قيمة حقيقية للسوق.
فالتجارة سلبية، مجرد تدوير للسلعة، لأنها تجارة في الشيء لا به. وكذلك هو الزمن. فالاحتكار أداة التدوير، ويكون احتكارًا بالزمن واحتكارًا في الزمن.
والاحتكار بالزمن (أي عن طريق الزمن) هو الاحتكار المعروف وهو حبس السلعة عن نزولها السوق حتى ترتفع أسعارها. فهو استخدام الزمن كوسيلة للاحتكار.
ويُستخدم الاحتكار بالزمن إذا كانت السلع لا تفسد أو لا تقل قيمتها مع الزمن كالمعادن وكالأراضي مثلاً (في الحالات الطبيعية)، وكالذهب والمعادن النادرة. فهذه لا يفسدها الزمن ولا يقلّل من قيمتها. والاحتكار بالزمن منفصلة أحكامه عن بيع السلعة المحتكرة، فيمكن أن تُباع السلعة المحتكرة بثمن حاضر أو بأجل، وذلك بخلاف الاحتكار في الزمن.
أما الاحتكار في الزمن فهو استخدام الزمن كوسيلة لحفظ قيمة السلعة، أو الشيء المراد احتكاره للتجارة فيه. وهذا يُستخدم عند كون الأشياء المراد التجارة فيها لا تصمد كثيرًا للزمن، كقمح ونحوه. (وبعض أنواع التحوّط في المشتقات الحديثة، الذي غرضه حفظ القيمة هو من الاحتكار في الزمن).
والتحوّط من أجل حفظ القيمة يكون بوضع المال الذي يفسد أو تقل قيمته كثمن لمال لا يفسد أو ليس من المتوقع أن تقل قيمته. ولأقرب هذا المفهوم للقارئ فقد يتبايع مزارعان قمحاً، أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب. وغرضهما بيع قمحهما بسعر مرتفع. فمزارع الجنوب ينضج القمح عنده قبل قمح الشمال بستة أشهر مثلاً. ويكون سوق قمح الجنوب حينها غارقاً بالقمح. على خلاف سوق قمح الشمال، الذي لم يجن فيه وقت جني القمح، فهو يتشوّف للقمح. فهنا يقوم المزارعان بعمل عملية تبادل، فيبيع الجنوبي ألف طن قمح للشمالي اليوم، على أن يسدّده الشمالي ألف طن قمح مثلها بعد ستة أشهر. فهنا عمل المزارعان في الزمن لحفظ قيمة القمح الذي لا يمكن تخزينه دون فقدان قيمته. وفي سوق المشتقات يسمونها المبادلات (Swaps) وهي أنواع كثيرة، وغالبها يكون بالعملات والفائدة والديون.
وكذلك يتبيَّن لنا أن الاحتكار في الزمن (استخدام الزمن كوسيلة حفظ قيمة السلعة) هو أداة يتوصل بها إلى التجارة في الأشياء كذلك وتدويرها واحتكارها إذا كانت مما تتناقص قيمته.
ولذا يجب توجيه الضرائب على السلع المخزنة القابلة للاحتكار بالزمن أو على السلع المُتحوّط بها، والقابلة للاحتكار في الزمن. لتجعلها الزكاة أو الضريبة سلعاً تتناقص قيمتها بالتخزين أو الاحتكار.
ففرض الضرائب علم هندسة مالية. فالتخطيط للضرائب، يجعلها عادلة ويصيرها أداة لتخفيض الأسعار وزيادة الإنتاج.