د. أحمد الفراج
كتبتُ في المقال الماضي عن الرئيس باراك أوباما، وكيف أنه كسر كل القواعد الراسخة عبر التاريخ السياسي لأمريكا، ولم يكن طريقه مفروشًا بالورود؛ فقد وُلد لأب كيني، جاء ليواصل دراسته في أرض الأحلام، وتزوج من سيدة بيضاء من ولاية كانساس، ثم انفصلا، وبقي أوباما مع والدته، وبعد أن تخرج من جامعة كولومبيا العريقة عمل فترة في مجال الخدمة الاجتماعية، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة هارفارد. وأشير هنا إلى أنه لم يكن فقط أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية؛ إذ كان قبلها أول أمريكي من أصل إفريقي يرأس تحرير مجلة كلية الحقوق في جامعة هارفارد العريقة. ولا شك أن هذا مؤشر على نبوغه وتميُّزه. وبعد أن تخرج عمل محاميًا وأستاذًا جامعيًّا في كلية الحقوق بجامعة الينيويز، وانتُخب في مجلس الشيوخ للولاية ذاتها، ثم ترشح لمجلس الشيوخ الفيدرالي، وخدمته الظروف كثيرًا؛ ففاز بترشيح الحزب الديمقراطي أولاً، ثم هزم خصمه الجمهوري؛ ليصبح عضوًا في مجلس الشيوخ في عام 2005.
أؤكد دومًا أن أوباما يملك كاريزما صارخة، علاوة على فصاحته اللغوية، وتمكُّنه من مخاطبة الحشود، وبث الحماسة فيها، وخصوصًا شرائح الشباب. إذًا لا عجب أن أول ما لفت الأنظار إليه كان خطابه في مؤتمر الحزب الديمقراطي في عام 2004، وهو الخطاب الذي لاقى أصداءً واسعة. ويتفق معظم المعلقين على أن ذلك الخطاب القصير الجامع كان له دور في فوزه بالرئاسة بعد ذلك بأربع سنوات. كما أنه يتميز بالهدوء والرزانة؛ لذا فشل خصومه المحافظون في استفزازه، رغم كل ما فعلوا في هذا السبيل، وخصوصًا قناة فوكس نيوز اليمينية، الداعم الرئيسي لترامب حاليًا، ورغم أن الجمهوريين في الكونجرس وقفوا ضده بقوة لأسباب حزبية، وربما عنصرية أحيانًا، إلا أنه تمكن من تحقيق بعض الإنجازات داخليًّا وخارجيًّا. وما يهمنا هنا هو تقييم المؤرخين والاستطلاعات الشعبية لأدائه رئيسًا، وهو الأمر الذي قد يكون مفاجئًا لكم؛ إذ إن كثيرين خارج أمريكا، وخصوصًا في الخليج، يعتقدون أنه ضمن أسوأ عشرة رؤساء، أو ربما الأسوأ، ولكن الواقع هو أن أوباما - وحسب أهم معيارين: المؤرخين والاستطلاعات الشعبية - يعتبر ضمن أفضل الرؤساء، وإن لم يكن ضمن العشرة الأفضل مع رونالد ريجان وبيل كلينتون. ومَنْ يدري، فربما يرتفع تصنيفه مستقبلاً، ويصبح ضمن أفضل عشرة رؤساء!