د.عبدالله بن موسى الطاير
هل انتفض العراق ضد الحشد الشعبي والحرس الثوري ووكلاء ولاية الفقيه؟ أم أن البعض انتفضوا نيابة عنه على شبكات التواصل الاجتماعي فكان: 79 % من المشاركين في هاشتاق «العراق ينتفض» من السعودية، و7 % من الكويت، و6 % من العراق، و3 % من الإمارات، و2 % من مصر، وفق إحصائية منتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي لم أتأكد من صحتها. لا ألوم مستخدمي هذه الشبكات الذين يأخذهم الحماس والعاطفة فيخترعون سبباً للمظاهرات بتصويرها أنها ضد إيران، وإنما استغرب انجراف بعض المحلّلين السياسيين وراء رغباتهم وتقديمها على أنها تحليلات تعتمد على معلومات مؤكّدة.
لقد خرج الآلاف للتظاهر معربين عن غضبهم إزاء ارتفاع معدلات البطالة ونقص الخدمات وانتشار الفساد، فحسب بعض المصادر فإن 22.5 % من الشعب العراقي يعيشون بأقل من 2 دولار يومياً، كما أن البطالة بين القادرين على العمل وصلت نحو 17 %، ولذلك فإن الصحافيين الأجانب العاملين في العراق يرون أن هذه الاحتجاجات هي انتفاضة الجوعى التي لا يبدو أن لها قيادة واضحة، وزادت مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية بنقلها أن المتظاهرين الذين التقتهم أخبروها أن الاحتجاجات حركة شعبية، تضم مختلف الفئات من الرجال والنساء والعاطلين عن العمل والمسنين، وجميعهم يعربون عن غضبهم وإحباطهم المتراكم منذ أعوام، مضيفة أن «جميع المتظاهرين يجمعهم أمر واحد: يريدون حياة أفضل، يريدون خدمات، يريدون وظائف، ويريدون أن يرتفع مستوى المعيشة».
العراق حالة غريبة، فهو متحالف مع الولايات المتحدة ومع إيران في ذات الوقت، حيث يستضيف الآلاف من القوات الأمريكية، وكذلك الميليشيات القوية المدعومة من إيران، وصحيح أن المسيحيين العراقيين مرعوبون من الإيرانيين، ويعتقدون أن المليشيات الموالية لإيران تقتل العراقيين، وتهدِّد وجود المسيحيين في العراق، إلا أن أحداً لم يقل البتة إن ما يحدث في العراق هو انتفاضة ضد الوجود الإيراني.
لماذا أخالف 79 % من المشاركين في ذلك الهاشتاق؟ أفعل ذلك لسبب معقول وهو أن الأوضاع الاقتصادية في العراق ليست وليدة الأمس، وإنما هي تراكم سنوات من عدم الاستقرار وغياب الشفافية والحكم الرشيد. وكأن تحرك الشارع في هذا التوقيت بالتحديد يبعث رسالة إلى الشريك الأمريكي في العراق مفادها أن الحرس الثوري والحشد الشعبي حرّكا الشارع الذي يبشِّر بفوضى عارمة تسقط كل العراق في حضن إيران، وأية تهدئة للشارع المستعر يجب أن تكون عبر طهران ليثبت نظام ولاية الفقيه أنه صحاب القرار في التصعيد أو التهدئة.
وبحسب بعض الخبراء فإن العراق «ليس جاهزًا لتغيير النظام لأن البلاد قد تقع في أيدي إيران (بالكامل). وهذا من شأنه أن يسبب المتاعب لإسرائيل وبقية المنطقة». كما أن رئيس وزراء العراق خرج في كلمة متلفزة واعداً بالتغيير ولكن وفق مدة زمنية ليست بالقصيرة، ما يعني أن عملية الإصلاح التي يطالب بها الشارع متعذَّرة في الوقت الراهن، وأن من دفع بالناس إلى الشوارع في هذه التوقيت يدرك تماماً تعذّر تحقيق مطالب الناس، وإليه تؤول التهدئة أو التصعيد.
لقد تابعت بعض التغريدات والفيديوهات التي يردد فيها بعض المتظاهرين « إيران برا برا .. بغداد تبقى حرة»، غير أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن الشارع العراقي قد خرج من أجل تنظيف العراق من الوجود الإيراني؛ فالذين خرجوا معظمهم من المناطق الشيعية، ومن فئة الشباب ما يعني أن هناك من خطَّط لهم ونسَّق جهودهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي قبل تقييدها. فهل يقول لي أحد كيف للحرس الثوري والمليشيات التابعة له أن يسمح بخروج مظاهرات ضده؟ لأقول له بأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة؛ فالقاتل والمقتول عراقيان، ولكن الذي سيقوم بتخفيف حدة توتر الشارع لاحقاً هو إيراني، متى أصبح ذلك يصب في مصلحته الوطنية وليس العراقية. بديل التهدئة التي سيكسب بها الحرس الثوري جميلاً على الأمريكيين هو سقوط العراق أكثر وأكثر في يد الإيرانيين، وهنا يكون الخطر على الدول في غرب العراق وجنوبه. والخلاصة أن العراق لم ينتفض ضد إيران وإنما هناك من عمل على نفضه ضد الفساد والمعيشة القاسية ليثبت أن مقاليد الأمور في العراق بيده وليس بيد الشريك الأمريكي.